(فَصْلٌ)
وَإِنْ كَانَ الْمَوْتُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَالْحَيُّ مِنْهُمَا وَوَارِثُ الْمَيِّتِ عَلَى حَالِهِمَا، إِنْ أَحَبَّا أَنْ يُمْضِيَا الرَّهْنَ أَمْضَيَاهُ، لِأَنَّ الرَّهْنَ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ لَازِمٍ. ثُمَّ هَلْ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ حُكْمُ الْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ؟ حَتَّى إِنْ أَحَبَّا إِمْضَاءَ الرَّهْنِ، اسْتَأْنَفَاهُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مَضَيَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ المزني: قلت أنا وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ فِي اخْتِلَافِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي الْحَقِّ وَالْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ فِيمَا يُشْبِهُ وَلَا يُشْبِهُ وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُزَنِيَّ ذَكَرَ جُمْلَةً مُجْمَلَةً لَهَا تَفْصِيلٌ، وَبَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي تَأْوِيلِهَا خِلَافٌ. وَلِلْكَلَامِ فِيهَا مُقَدِّمَةٌ، فَمُقَدِّمَتُهَا وَمَا بِهِ يَنْكَشِفُ إِجْمَالُهَا شَرْحُ الْمَذْهَبِ فِي اخْتِلَافِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فِي الْحَقِّ، وَفِي اخْتِلَافِهِمَا فِي الرَّهْنِ، فَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي الْحَقِّ، فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَخْتَلِفَا فِي أَصْلِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَخْتَلِفَا فِي قَدْرِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَخْتَلِفَا فِي وَصْفِهِ.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي أَصْلِ الْحَقِّ، فَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُرْتَهِنُ: لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ رَهَنْتَنِي بِهَا عَبْدَكَ سَالِمًا. فَيَقُولُ الرَّاهِنُ: لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْ بَيْعٍ وَلَا قَرْضٍ، أَوْ يَقُولُ: أَقْرَضَتْنِي أَلْفًا وَلَمْ تُقْبِضْنِي وَرَهَنْتُكَ سَالِمًا عَلَى أَنْ تُقْبِضَنِي مَا أَقْرَضْتَنِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ، بِاللَّهِ مَا لِلْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ الْأَلْفُ الَّتِي ادَّعَاهَا، أَوْ مَا أَقْبَضَهُ الْأَلْفَ الَّتِي أَقْرَضَهُ إِيَّاهَا، فَإِذَا حَلَفَ الرَّاهِنُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ فِي الْحُكْمِ، وَلَا رَهْنَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ الرَّهْنَ إِنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ اخْتِلَافُهُمَا فِي قَدْرِ الْحَقِّ، فَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُرْتَهِنُ، رَهَنْتَنِي عَبْدَكَ سَالِمًا فِي أَلْفٍ، فَيَقُولُ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُكَ فِي خَمْسِمِائَةٍ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ مُقِرًّا بِخَمْسِمِائَةٍ وَمُنْكِرًا مَا زَادَ عَلَيْهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِالْأَلْفِ كُلِّهَا وَمُنْكِرًا أَنْ يَكُونَ سَالِمٌ رَهْنًا إِلَّا فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِخَمْسِمِائَةٍ وَمُنْكِرًا مَا زَادَ عَلَيْهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ فِي نَفْسِ مَا زَادَ عَلَيْهَا، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا لَهُ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ فَإِذَا حَلَفَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ فِي الْحُكْمِ مِمَّا زَادَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ سَالِمٌ رَهْنًا بها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute