للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَنْ حَلَفَ عَلَى غَرِيمِهِ لَا يُفَارِقُهُ حتى يستوفي حقه

[(مسألة:)]

قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " مَنْ حَلَفَ عَلَى غَرِيمِهِ لَا يُفَارِقُهُ حَتَى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فَفَرَّ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ وَلَوْ قَالَ: لَا أَفْتُرِقُ أَنَا وَأَنْتَ حَنِثَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ كُلَّ يَمِينٍ عُلِّقَتْ عَلَى فِعْلِ فَاعِلٍ كَانَتْ مَقْصُورَةً عَلَى فِعْلِهِ، وَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ الْبِرُّ وَالْحِنْثُ مُعْتَبَرًا بِفِعْلِ مَنْ قَصَدَ بِالْيَمِينِ، فَإِذَا لَازَمَ صَاحِبُ الدَّيْنِ غَرِيمَهُ وَحَلَفَ أَنْ لَا يَفْتَرِقَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ لَمْ يَخْلُ يَمِينُهُ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَعْقِدَهَا عَلَى فِعْلِهِ.

وَالثَّانِي: عَلَى فِعْلِ غَرِيمِهِ.

وَالثَّالِثُ: على فعلهما.

فأما الْقِسْمَ الْأَوَّلَ: وَهُوَ أَنْ يَعْقِدَهَا عَلَى فِعْلِهِ، فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَا فَارَقْتُكَ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْكَ، فَالْبِرُّ وَالْحِنْثُ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الْحَالِفِ دُونَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَارَقَهُ الْحَالِفُ مختارا ذاكرا حنث، وإن فارقه مكرها أو نَاسِيًا فَفِي حِنْثِهِ قَوْلَانِ، عَلَى مَا مَضَى فِي حِنْثِ الْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي، فَأَمَّا إِنْ فَارَقَهُ الْغَرِيمُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَفَرَّ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثِ الْحَالِفُ، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى إِمْسَاكِهِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ، لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعْقُودَةٌ عَلَى فِعْلِهِ فَكَانَ حِنْثُهُ بِأَنْ يَكُونَ الْفِرَاقُ مَنْسُوبًا إِلَى فِعْلِهِ، وَهَذَا الْفِرَاقُ مَنْسُوبٌ إِلَى فِعْلِ غَرِيمِهِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حِنْثٌ، وَوَهِمَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَخَرَجَ حِنْثُهُ بِفِرَاقِ الْغَرِيمِ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ حِنْثِ الْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي وَهُوَ خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَعْقِدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلِ غَرِيمِهِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَا فَارَقْتَنِي حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْكَ، فَإِنْ فَارَقَهُ الْغَرِيمُ مُخْتَارًا ذَاكِرًا حَنث، وَإِنْ فَارَقَهُ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْإِكْرَاهِ إِذَا كَانَ فِي فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، هَلْ يَجْرِي مَجْرَى الْإِكْرَاهِ فِي فِعْلِ الْحَالِفِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ فِيهِمَا عَلَى سَوَاءٍ، فَعَلَى هَذَا فِي حِنْثِ الْحَالِفِ قَوْلَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>