للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّانِي: إنَّ إِجْمَاعَنَا مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْتُ مِنَ الْبِئْرِ، وَلَا أَكَلْتُ مِنَ النَّخْلَةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِشُرْبِ مَا اسْتَقَاهُ من البئر، ويأكل مَا لَقَطَهُ مِنَ النَّخْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكْرَعْ مَاءَ الْبِئْرِ بِفَمِهِ، وَلَا تَنَاوَلَ ثَمَرَةَ النَّخْلَةِ بِفَمِهِ، كَذَلِكَ الدِّجْلَةُ.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: إنَّ مَا كَانَ حِنْثًا فِي مَاءِ الْبِئْرِ كَانَ حِنْثًا فِي مَاءِ الدِّجْلَةِ قِيَاسًا عَلَى أَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِذَا كَرَعَ مِنْهُمَا.

وَالثَّانِي: إِذَا تَلَفَّظَ بِاسْمِ الْمَاءِ فِيهِمَا.

فَإِنْ قِيلَ: مَاءُ الْبِئْرِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُشْرَبَ إِلَّا بِاسْتِقَائِهِ وَثَمَرُ النَّخْلَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤْكَلَ إِلَّا بِلِقَاطِهِ.

قِيلَ: يُمْكِنُ أَنْ يُشْرَبَ مَاءُ الْبِئْرِ بِنُزُولِهِ إِلَيْهَا، وَيُؤْكَلُ مِنَ النَّخْلَةِ بِصُعُودِهِ إِلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكْرَعَ مِنَ الدِّجْلَةِ بِالْمَشَقَّةِ.

وَالثَّالِثُ: إنَّ حَقِيقَةَ الدِّجْلَةِ اسْمٌ لِقَرَارِهَا، وَالْحَقِيقَةُ فِي هَذَا الِاسْمِ مَعْدُولٌ عَنْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّ الْقَرَارَ غَيْرُ مَشْرُوبٍ.

وَالثَّانِي: إنَّ مَا بَاشَرَ الْقَرَارَ لَا يَصِلُ إِلَى كَرْعِهِ لِعُمْقِهِ وَإِذَا سَقَطَ حَقِيقَةُ الِاسْمِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَجَبَ الْعُدُولُ إِلَى مَجَازِهِ، وَهُوَ الْمَاءُ، لِأَنَّ اسْمَ الدِّجْلَةِ حَقِيقَةٌ فِي قَرَارِهَا، وَمَجَازٌ فِي مَائِهَا، وَالْمَجَازُ الْمُسْتَعْمَلُ أَوْلَى مِنَ الْحَقِيقَةِ الْمَتْرُوكَةِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْإِنَاءِ فَهُوَ أَنَّ الْإِنَاءَ آلَةٌ لِلشُّرْبِ، فَصَارَتِ الْيَمِينُ مَعْقُودَةً عَلَيْهِ، وَلَيْسَتِ الدِّجْلَةُ آلَةً لِلشُّرْبِ، فَصَارَتِ الْيَمِينُ مَعْقُودَةً عَلَى مَائِهَا، أَلَا تَرَاهُ إِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لَا شَرِبْتُ مِنْ هَذِهِ النَّاقَةِ حَنِثَ إِذَا شَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا، وَإِنْ لَمْ يَمْتَصَّهُ مِنْ أَخْلَافِ ضُرُوعِهَا.

وَلَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا شَرِبْتُ مِنْ هَذَا الْإِنَاءِ فَشَرِبَ مِنْ لَبَنِ الْإِنَاءِ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ الشُّرْبَ مِنْهَا حَقِيقَةٌ، وَمِنْ مَائِهَا مَجَازٌ، فَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَجَازَ الْمُسْتَعْمَلَ أَوْلَى مِنَ الْحَقِيقَةِ المتركة وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>