وَلِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يُمْلَكُ بِهِ كَالْإِرْثِ فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَرِثَ الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا مُسْلِمًا. فَعَلَى هَذَا لَا يجوز أن يقر عَلَى مِلْكِهِ وَإِنْ صَحَّ الْبَيْعُ. وَيُؤْخَذُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ. فَإِنْ دَبَّرَهُ لَمْ يَجُزْ إِقْرَارُهُ، وَإِنْ كَاتَبَهُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُقِرُّ عَلَى ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنِ اسْتِدَامَةِ مِلْكِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُقِرُّ عَلَى الْكِتَابَةِ لِيُنْظَرَ مَا يَكُونُ فِي حَالِهِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُفْضِي إِلَى عِتْقِهِ وَزَوَالِ رِقِّهِ.
فَصْلٌ: حُكْمُ غَيْرُ الْآدَمِيِّ مِنَ الْحَيَوَانِ
وَأَمَّا غَيْرُ الْآدَمِيِّ مِنَ الْحَيَوَانِ فَضَرْبَانِ: طَاهِرٌ وَنَجِسٌ.
فَأَمَّا النَّجِسُ فَالْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا.
وَحَيَوَانٌ طَاهِرٌ.
فَهَذَا نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ خِلَافٌ قَبْلَ عَطَاءٍ فِي أَنْ لَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِ الْكَلْبِ حَتَّى ذَهَبَ إِلَيْهِ عَطَاءٌ وَتَابَعَهُ مَالِكٌ.
وَلَا يُعْرَفُ خِلَافٌ قَبْلَ أبي حنيفة فِي أَنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى قَالَهُ أبو حنيفة.
وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ شَيْءٍ مِنْهُ بِحَالٍ: قَالَ إِلَّا الْكَلْبَ إِذَا كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ عَلَى مَا مَضَى.
وَأَمَّا الطَّاهِرُ فَضَرْبَانِ: مَأْكُولٌ وَغَيْرُ مَأْكُولٍ.
فَأَمَّا الْمَأْكُولُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ حَيًّا وَمَذْبُوحًا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَيِّتًا إِلَّا الْحُوتَ وَالْجَرَادَ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْكُولِ: فَضَرْبَانِ: مُنْتَفَعٌ بِهِ وَغَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ.
فَمَا كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ فَبَيْعُهُ حَيًّا جَائِزٌ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ غَيْرَ حَيٍّ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْمُنْتَفَعِ بِهِ فَضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا لَا يُرْجَى نَفْعُهُ أَبَدًا كَالسَّبْعِ وَالذِّئْبِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَسَائِرِ الْهَوَامِّ وَالْحَشَرَاتِ فَبِيعُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ بَيْعَهُ مَعَ عَدَمِ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُرْجَى نَفْعُهُ فِي ثَانِي حَالٍ كَالْفَهْدِ الَّذِي إِذَا عُلِّمَ نَفَعَ، وَالْفِيلِ الَّذِي إِذَا تَأَنَّسَ قَاتَلَ أَوْ حُمِّلَ فَفِي جَوَازِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِمَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ.
وَالثَّانِي: يَجُوزُ لِمَا يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ فِي ثَانِي حَالٍ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فَلَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِ، وَكُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ وَجَبَتِ الْقِيمَةُ عَلَى مُتْلِفِهِ.