للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخَرَ وَسَأَلَ الْقَاضِي سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ بِنَسَبِهِ وَحُرِّيَّتِهِ أَوْ بِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ لِيَكْتُبَ بِهِ إِلَى قَاضِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، فَلِهَذَا الطَّالِبِ فِي طلبه ثلاثة أَحْوَالٍ:

إِحْدَاهَا: أَنْ يَطْلُبَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَدْ مَاتَ فَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ وَيَكْتُبَ بِهِ إِلَى قَاضِي ذَلِكَ الْبَلَدِ لِيَحْكُمَ لَهُ بِمِيرَاثِ وَلَدِهِ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَذْكُرَ أَنَّ الْوَلَدَ حَيٌّ، وَأَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ قَدِ اسْتَرَقَّهُ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ بِنَسَبِهِ وَحُرِّيَّتِهِ، وَكَتَبَ بِهَا إِلَى قَاضِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، سَوَاءٌ ذَكَرَ اسْمَ الْمُسْتَرِقِّ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ.

وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي مِلْكٍ لَمْ تُسْمَعِ الْبَيِّنَةَ إِلَّا بَعْدَ تَسْمِيَةِ صَاحِبِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ينتقل والحرية ولا تَنْتَقِلُ.

فَإِنْ كَانَتِ الْبَيِّنَةُ تَشْهَدُ بِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ وَلَمْ تَشْهَدْ بِنَسَبِهِ، لَمْ يَسْمَعْهَا، وَلَمْ يَكْتُبْ بِهَا؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ نَسَبٌ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقٌّ فِي الطَّلَبِ، وَلَوْ كَانَتِ الْبَيِّنَةُ تَشْهَدُ بِالنَّسَبِ دُونَ الْحُرِّيَّةِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ ثُبُوتُهُ مُوجِبًا لِلْحُرِّيَّةِ سَمِعَهَا وَكَتَبَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُوجِبِ الْحُرِّيَّةُ لَمْ يَسْمَعْهَا وَلَمْ يَكْتُبْ بِهَا.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يَذْكُرَ الطَّالِبُ اسْتِرْقَاقَ الْوَلَدِ، وَلَا مَوْتَهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ وَلَا يَكْتُبَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي الْحَالِ حَقٌّ لِطَالِبٍ وَلَا مَطْلُوبٍ، فَهَذَا حُكْمُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِيمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ.

[(فصل: من يكاتبه القاضي بحكمه) .]

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي: مِنَ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ فِيمَنْ يُكَاتِبُهُ الْقَاضِي بِحُكْمِهِ فَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مُكَاتَبَةُ الْقُضَاةِ.

وَالثَّانِي: مُكَاتَبَةُ الْأُمَرَاءِ.

وَالثَّالِثُ: مُكَاتَبَةُ الشُّهُودِ.

وَالرَّابِعُ: مُكَاتَبَةُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي مُكَاتَبَةِ الْقُضَاةِ: فَيُكَاتِبُ بِحُكْمِهِ أَحَدَ قَاضِيَيْنِ: إِمَّا قَاضِيَ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْخَصْمُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، وَإِمَّا قَاضِيَ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمِلْكُ الْمَحْكُومُ بِهِ، وَلَيْسَ لِمُكَاتَبَةِ غَيْرِهِمَا مِنَ الْقُضَاةِ وَجْهٌ، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ عَلَى غَيْرِهِمَا شَيْءٌ مِنْ حُكْمِهِ.

فَإِذَا كَتَبَ إِلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْخَصْمُ الْمَطْلُوبُ فَانْتَقَلَ الْمَطْلُوبُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ أَوْصَلَ الطَّالِبُ كِتَابَهُ إِلَى ذَلِكَ الْقَاضِي وَيَتَنَجَّزُ بِهِ كِتَابَهُ إِلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ الْمَطْلُوبُ إِلَيْهِ، وَجَازَ لِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَكْتُبَ بِهِ إِلَى الْقَاضِي الثَّالِثِ.

فَإِنْ عَادَ الطَّالِبُ إِلَى الْقَاضِي الْأَوَّلِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ إِلَى الْقَاضِي الثالث

<<  <  ج: ص:  >  >>