(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ صِفَةِ الِاصْطِدَامِ وَحُكْمِهِ، فِي ضَمَانِ النِّصْفِ وَسُقُوطِ النِّصْفِ هَدَرًا فَضَمَانُ الدَّابَّتَيْنِ يَسْتَوِي فِيهِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ، لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ، وَيَفْتَرِقُ فِي النُّفُوسِ ضَمَانُ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ فِي الِاصْطِدَامِ الْخَطَأُ الْمَحْضُ، وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِيهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُخَفَّفَةً، وَصَحَّ فِيهِ عَمْدُ الْخَطَأِ وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِيهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُغَلَّظَةً، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَصِحُّ فِيهِ الْعَمْدُ الْمَحْضُ الْمُوجِبُ لِلْقَوَدِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: يَصِحُّ فِيهِ الْعَمْدُ الْمَحْضُ الْمُوجِبُ لِلْقَوَدِ، لِأَنَّ الِاصْطِدَامَ قَاتِلٌ، وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِيهِ حَالَّةً فِي مَالِ الصَّادِمِ دُونَ عَاقِلَتِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ: إِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَمْدُ الْمَحْضُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَقْتُلَ وَيَجُوزَ أَنْ لَا يَقْتُلَ، وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِيهِ مُغَلَّظَةً عَلَى عَاقِلَةِ الصَّادِمِ.
وَصِفَةُ الْخَطَأِ الْمَحْضِ أَنْ يَكُونَا أَعْمَيَيْنِ أَوْ بَصِيرَيْنِ مستديرين.
وَصِفَةُ عَمْدِ الْخَطَأِ أَنْ يَكُونَا بَصِيرَيْنِ مُسْتَقْبِلَيْنِ.
وَصِفَةُ الْعَمْدِ الْمَحْضِ أَنْ يَكُونَا مُسْتَقْبِلَيْنِ يَقْصِدَانِ القتل، فإن كان أحدهما مستقبلاً والآخر مستديراً كان المستدير خَاطِئًا وَالْمُسْتَقْبِلُ عَامِدًا، فَإِنْ قَصَدَ الْقَتْلَ فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ فَهُوَ عَمْدُ الْخَطَأِ، وَحُكْمُهُ مَا قَدْ مَضَى.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الرَّاكِبَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَا مَمْلُوكَيْنِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ مَمْلُوكًا.
فَإِنْ كَانَا حُرَّيْنِ فَلَا يَخْلُو حَالُهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَا بَالِغَيْنِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَا صَغِيرَيْنِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أحدهما بالغ والآخر صغير.
فَإِنْ كَانَا بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ فَلَهُمَا خَمْسَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَمُوتَ الرَّاكِبَانِ وَالدَّابَّتَانِ، فَيَكُونُ فِي مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ