حِرَاسَةٌ لَهَا وَحِفْظٌ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ دَعَا إِلَى حِرَاسَتِهَا وَحِفْظِهَا، دُونَ مَنْ دَعَا إِلَى إِضَاعَتِهَا وَإِتْلَافِهَا.
فَلَوْ دَعَا أَحَدُهُمَا إِلَى قَطْعِهَا فِي أَوَّلِ إِدْرَاكِهَا، وَدَعَا الْآخَرُ إِلَى قَطْعِهَا بَعْدَ تَنَاهِي إِدْرَاكِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُجْتَنَى رَطْبًا وَلَا يُشَمَّسُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ دَعَا إِلَى قَطْعِهَا مِنْ أَوَّلِ إِدْرَاكِهَا؛ لِأَنَّهُ أحفظ لها، وإن كانت مما يجفف وتشمس، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ دَعَا إِلَى قَطْعِهَا بَعْدَ تَنَاهِي إِدْرَاكِهَا، لِأَنَّهُ أَكْمَلُ لِزِيَادَتِهَا وَأَوْفَرُ لِثَمَنِهَا.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ أَبَى الْمَوْضُوعَةُ عَلَى يَدَيْهِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَنْ يَضَعَهَا فِي مَنْزِلِهِ إِلَّا بِكِرَاءٍ قِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْكَ لَهَا مَنْزِلٌ تُحْرَزُ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صَلَاحِهَا فَإِنْ جِئْتَ بِهِ وَإِلَّا اكْتَرَى عَلَيْكَ مِنْهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. إِذَا كَانَ الرَّهْنُ مَوْضُوعًا عَلَى يَدِ عَدْلٍ لِيَشْتَرِطَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَأَبَى الْعَدْلُ أَنْ يُحْرِزَهُ فِي مَنْزِلِهِ إِلَّا بِكِرَاءٍ، لَمْ يُجْبَرِ الْعَدْلُ عَلَى إِحْرَازِهِ فِي مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ كِرَاءٍ، وَلَا الرَّاهِنُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لِلْعَدْلِ الْكِرَاءَ، وَقِيلَ: لِلرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ إِنِ اتَّفَقْتُمَا عَلَى نَقْلِهِ إِلَى يَدِ عَدْلٍ يَتَطَوَّعُ بِإِحْرَازِهِ فِي مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ كِرَاءٍ، وَإِلَّا عَلَى الرَّاهِنِ كِرَاءُ مَنْزِلٍ يُحْرِزُ فِيهِ، لِأَنَّ كِرَاءَ الْمَنْزِلِ مِنْ مؤونة الرَّهْنِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " له غنمه وعليه غرمه ".
وإن امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنَ اكْتِرَاءِ مَنْزِلٍ اكْتَرَى الْقَاضِي عليه من ماله فَإِنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا غَيْرَ الرَّهْنِ اكْتَرَى فِيهِ وَلَمْ يَبِعْ مِنَ الرَّهْنِ مَا يُكْتَرَى فيه، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا غَيْرَ الرَّهْنِ بَاعَ مِنَ الرَّهْنِ بِقَدْرِ مَا يَكْتَرِي بِهِ مَنْزِلًا يُحْرِزُهُ فِيهِ، وَيَكُونُ مَكْرِيُّ الْمَنْزِلِ مُقَدَّمًا بِالْكِرَاءِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَعَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ.
(فَصْلٌ)
فَإِنِ اكْتَرَى الْمُرْتَهِنُ مَنْزِلًا مِنْ مَالِهِ لِإِحْرَازِ الرَّهْنِ فِيهِ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الرَّاهِنِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا، لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمُرْتَهِنِ فِي دَفْعِ الْكِرَاءِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَدْفَعَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. فَإِنْ دَفَعَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَإِنْ دَفَعَهُ بِإِذْنِهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ بِمَا يَدْفَعُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ شَرْطِ الرُّجُوعِ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.