للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأَمَّا إِذَا قُتِلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ إِذَا قُتِلَ فِيهَا فِي ضَمَانِهِ بِالْكَفَّارَةِ وَالدِّيَةِ إِلَّا أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَهُ غَالَطًا بِمِيثَاقِهِ الَّذِي هُوَ مُقِيمٌ عَلَى الْتِزَامِهِ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ مَعَ الْكَفَّارَةِ، وَالْكَفَّارَةُ الْوَاجِبَةُ فِي قَتْلِ الْكَافِرِ، كَالْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ فِي أَيْمَانِ الرَّقَبَةِ وَسَلَامَتِهَا مِنَ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وإذا وجبت عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ فِي الْخَطَأِ وَفِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَتِ الْكَفَّارَةُ فِي العمد أولى (قال المزني) رحمه الله وَاحْتُجَّ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً سَوَاءٌ إِلَّا في المأثم فكذلك كفارة القتل أَوْ خَطَأً سَوَاءٌ إِلَّا فِي الْمَأْثَمِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، الْكَفَّارَةُ تَجِبُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ.

وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَأَسْقَطَاهَا فِي قَتْلِ الْعَمْدِ سَوَاءٌ وَجَبَ فِي الْقَوَدِ أَوْ لَمْ يَجِبْ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فتحرير رقبة مؤمنة} فَجَعَلَ الْخَطَأَ شَرْطًا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، فَوَجَبَتْ أَنْ يَنْتَفِيَ عَنِ الْعَمْدِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ، وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْعَمْدُ قَوَدٌ) فَجَعْلَ مُوجِبَ الْعَمْدِ اسْتِحْقَاقَ الْقَوَدِ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الْقَوَدِ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يُوجِبُ الْقَتْلَ فَلَمْ يُوجِبِ الْكَفَّارَةَ كَالزِّنَا وَالرِّدَّةِ، وَلِأَنَّهُ قَتْلُ عَمْدٍ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، كَالْقِصَاصِ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ عَلَى بَدَنٍ، وَالْكَفَّارَةَ حَقٌّ فِي مَالٍ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي الْقَتْلِ الْوَاحِدِ كَالْقِصَاصِ مَعَ الدِّيَةِ.

وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صَاحِبٍ لَنَا اسْتَوْجَبَ النَّارَ بِالْقَتْلِ، فَقَالَ: " أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يُعْتِقِ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ) وَهُوَ لَا يَسْتَوْجِبُ النَّارَ إِلَّا فِي الْعَمْدِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَمَرَ بِهَا غَيْرَ الْقَاتِلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الْقَاتِلِ قُلْنَا: الْخِطَابُ وإن توجه إلى السائل بالمراد بِهِ الْقَاتِلُ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا بِالْقَتْلِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَأَدْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

فَقَالَ: أَعْتِقْ عَنْ كُلِّ مَوْؤُودٍ رَقَبَةً وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ تَحْفِرُ تَحْتَ الْحَامِلِ إِذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ حُفَيْرَةً يَسْقُطُ فِيهَا وَلَدُهَا إِذَا وَضَعَتْهُ، فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا أَخْرَجُوهُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ أُنْثَى تُرِكَتْ فِي حُفْرَتِهَا وَطُمَّ التُّرَابُ عَلَيْهَا حَتَّى تَمُوتَ، وَهَذَا قَتْلُ عَمْدٍ، وَقَدْ أُوجِبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>