فَصْلٌ
: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَوْ طَافَ وَهُوَ يَعْقِلُ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ إِكْمَالِ الطَّوَافِ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ وَالطَّوَافَ قَرِيبًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ بَعِيدًا فَجَعَلَ الْإِغْمَاءَ قَطْعًا لِلطَّوَافِ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافَ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدَثِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَانِعًا مِنَ الطَّوَافِ لِزَوَالِ تَكْلِيفِهِ بِالْإِغْمَاءِ فَزَالَ بِهِ حُكْمُ الْبِنَاءِ وَبَقِيَ تَكْلِيفُهُ مَعَ الْحَدَثِ فَيَبْقَى مَعَهُ حُكْمُ البناء.
[مسألة]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ طَافَ فَسَلَكَ الْحَجَرَ أَوْ عَلَى جِدَارِ الْحَجَرِ أَوْ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ فِي الطَّوَافِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ حَالِ الطَّائِفِ بِالْبَيْتِ أَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَحْوَالٍ مِنْهَا حالتان مجزئتان وحالتان غير مجزئتين فأما الحالتين المجزئتان فأحدهما حَالَةُ كَمَالٍ وَالثَّانِيَةُ حَالَةُ إِجْزَاءٍ. فَأَمَّا حَالَةُ الْكَمَالِ: فَهُوَ أَنْ يَطُوفَ خَارِجَ الْبَيْتِ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ دُونَ زَمْزَمَ وَالْحَطِيمِ، فَهَذَا كَمَالُ أَحْوَالِ الطَّوَافِ فِيهِ طَافَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَنْ يَقْتَدِي بِهِ مِنَ السَّلَفِ بَعْدَهُ وَأَمَّا حَالَةُ الْإِجْزَاءِ فَهُوَ أَنْ يَطُوفَ بِالْمَسْجِدِ وَرَاءَ زَمْزَمَ وَسِقَايَةِ الْعَبَّاسِ وَدُونَ الْجِدَارِ فَهَذَا طَوَافٌ مُجْزِئٌ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَكْمَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ حَائِلٌ، وَهَكَذَا لَوْ طاف على سطح المسجد الحرام أجزأه؛ لأنه معلوم أَنَّ سَقْفَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْيَوْمَ دُونَ سَقْفِ الْكَعْبَةِ فَكَانَ طَائِفًا بِالْبَيْتِ.
فَإِنْ قِيلَ لَوِ اسْتَقْبَلَهَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهَا كَانَ مُسْتَقْبِلًا لِجِهَةِ بِنَائِهَا فَأَجْزَأَهُ، وَالْمَقْصُودُ فِي الصَّلَاةِ تَعْيِينُ بِنَائِهَا، فَإِذَا عَلَا عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ طَائِفًا بِنَفْسِ بِنَائِهَا فَلَمْ يُجْزِهِ.
فَصْلٌ
: وَأَمَّا الْحَالَتَانِ اللَّتَانِ لَا تُجْزِئَانِ فَإِحْدَاهُمَا لَا تُجْزِئُ لِلْمُجَاوَزَةِ، وَالثَّانِيَةُ لَا تُجْزِئُ لِلتَّقْصِيرِ، فأما ما لا تجزئ للمجاورة فَهُوَ أَنْ يَطُوفَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فِي الْوَادِي مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ، فَهَذَا لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ هذا غير طوائف بالبيت، وإنما هو طائف بالمسجد ولو أجزأه هَذَا أَجْزَأَهُ طَوَافُهُ حَوْلَ مَكَّةَ، مَا لَا يُجْزِئُ لِلنَّقْصِ فَفِي أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَطُوفَ دَاخِلَ الْبَيْتِ فَلَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَهَذَا غَيْرُ طَائِفٍ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ طَائِفٌ فِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَطُوفَ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ فَلَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ طَائِفٌ وَلَيْسَ بِطَائِفٍ بِالْبَيْتِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَطُوفَ خَارِجَ الْبَيْتِ عَلَى شَاذَرْوَانِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ شَاذَرْوَانَ الْبَيْتِ هُوَ أَسَاسُهُ، ثُمَّ يَقْتَصِرُ بِالْبِنَاءِ عَلَى بَعْضِهِ، فَالطَّائِفُ عَلَيْهِ لَمْ يَطُفْ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ وَإِنَّمَا طَافَ بِبَعْضِهِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَطُوفَ خَارِجَ الْبَيْتِ وَفِي الْحِجْرِ فَلَا يُجْزِئُهُ.
وَقَالَ أبو حنيفة: يُجْزِئُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعِتيقِ) {الحج: ٢٩) وَهَذَا طَائِفٌ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْحِجْرُ مِنْ ورائه لِأَنَّ الْحِجْرَ مِنَ الْبَيْتِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْبَيْتِ مَا رَوَى