تخبر بِشِقِّهِ، لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَيْهَا فَإِنْ شَقَّتْهُ بَعْدَ فَسْخِ الزَّوْجِ لَمْ يُؤَثِّرْ بَعْدَ وُقُوعِ الْفَسْخِ، وَإِنْ شَقَّتْهُ قَبْلَ فَسْخِهِ فَفِي خِيَارِ الزَّوْجِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَهُ الْخِيَارُ اعْتِبَارًا بِالِابْتِدَاءِ.
وَالثَّانِي: لَا خِيَارَ لَهُ اعْتِبَارًا بِالِانْتِهَاءِ، فَأَمَّا الْإِفْضَاءُ وَهُوَ أَنْ يَنْخَرِقَ الْحَاجِزُ الَّذِي بَيْنَ مَدْخَلِ الذكر ومخرج البول فتصير مغطاة فلا خيار فيه لإمكان الإصابة التامة معه فَلَوْ كَانَتْ عَاقِرًا لَا تَلِدُ، أَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَقِيمًا لَا يُولَدُ لَهُ فَلَا خِيَارَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ وَرُبَّمَا زَالَ بتنقل الأمنان.
فأما العفلاء ففي العفلة ثلاثة تَأْوِيلَاتٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَحْمٌ مُسْتَدِيرٌ يَنْبُتُ فِي الرَّحِمِ بَعْدَ ذَهَابِ الْعُذْرَةِ، وَلَا يَنْبُتُ مَعَ الْبَكَارَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ.
وَالتَّأْوِيلُ الثاني: أنه ورم يكون في اللحمة التي في قبل الْمَرْأَةِ يَضِيقُ بِهِ. فَرْجُهَا حَتَّى لَا يَنْفُذَ فِيهِ الذَّكَرُ.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّالِثُ: إِنَّهُ مَبَادِئُ الرَّتْقِ، وَهُوَ لَحْمٌ يَزِيدُ فِي الْفَرْجِ حَتَّى يَصِيرَ رتقاً فيسد بِهِ الْفَرْجُ فَلَا يَنْفُذُ فِيهِ الذَّكَرُ، فَإِنْ كان العقل يُكْمِلُ مَعَهُ الِاسْتِمْتَاعَ التَّامَّ فَلَا خِيَارَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْ مَعَهُ الِاسْتِمْتَاعَ لِضِيقِ الْفَرْجِ أَوِ انْسِدَادِهِ حَتَّى لَا يُمْكِنَ إِيلَاجُ الذَّكَرِ فَفِيهِ الْخِيَارُ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْعُيُوبُ الَّتِي يَشْتَرِكُ فيها الرجل والمرأة وهي ثَلَاثَةٌ:
أَحَدُهَا: الْجُنُونُ، وَهُوَ زَوَالُ الْعَقْلِ الَّذِي يكون معه تأدية حق سواء خِيفَ مِنْهُ أَمْ لَا وَهُوَ ضَرْبَانِ: مُطْبِقٌ لَا يَتَخَلَّلُهُ إِفَاقَةٌ، وَغَيْرُ مُطْبِقٍ يَتَخَلَّلُهُ إِفَاقَةٌ فَيُجَنُّ تَارَةً، وَيَفِيقُ أُخْرَى وَكِلَاهُمَا سَوَاءٌ، وَفِيهِمَا الْخِيَارُ سَوَاءٌ قَلَّ زَمَانُ الْجُنُونِ أَوْ كَثُرَ، لِأَنَّ قَلِيلَهُ يَمْنَعُ مِنْ تَأْدِيَةِ الْحَقِّ فِي زمانه، ولأن قليله كَثِيرًا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِالزَّوْجِ أَوْ بِالزَّوْجَةِ.
فَأَمَّا الْإِغْمَاءُ فَهُوَ زَوَالُ الْعَقْلِ بِمَرَضٍ فَلَا خِيَارَ فِيهِ كَالْمَرَضِ، وَإِنَّهُ عَارِضٌ يُرْجَى زَوَالُهُ، وأنه قد يجوز حدوث مثله بالأنبياء الذي لَا يَحْدُثُ بِهِمْ جُنُونٌ، فَإِنْ زَالَ الْمَرَضُ فَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ الْإِغْمَاءُ صَارَ حِينَئِذٍ جُنُونًا يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ.
وَأَمَّا الْبَلَهُ فَهُوَ غَلَبَةُ السلامة فَيَكُونُ الْأَبْلَهُ سَلِيمَ الصَّدْرِ ضَعِيفَ الْعَزْمِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا بُلْهًا " يَعْنِي الَّذِينَ غَلَبَتِ السَّلَامَةُ عَلَى صُدُورِهِمْ وَمِنْهُ قول الشاعر:
(ولقد لهوت بطفلةٍ ميالةٍ ... بَلْهَاءَ تُطْلِعُنِي عَلَى أَسْرَارِهَا)