وَأَمَّا تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ " فَالْمُرَادُ مَا ظَهَرَ مِنْ أَفْعَالِهِ دُونَ طَهَارَتِهِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَتِهَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَبَانَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا "
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَرْأَةِ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ قَدْ كُلِّفَ مَعْرِفَةَ حَالِ الْإِمَامِ فِي كَوْنِهِ رَجُلًا، أَوِ امْرَأَةً لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بِظَاهِرِ الزِّيِّ وَالْهَيْئَةِ، وَلَمْ يُكَلَّفْ مَعْرِفَةَ طَهَارَةِ إِمَامِهِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَتِهَا وَعَدَمِ إِمَارَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا، أَلَا ترى الحاكم أن الحكم لَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ نَفْسَيْنِ، ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُمَا فَاسِقَانِ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ يَنْقُضْ حُكْمَهُ، وَلَوْ بَانَ أَنَّهُمَا امْرَأَتَانِ نَقَضَ حُكْمَهُ، وَإِذَا فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ عَمْدِ الْإِمَامِ وَنِسْيَانِهِ فَغَلَطٌ، لِأَنَّ مَا نَقَضَ الطُّهْرَ فَحُكْمُ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ فِيهِ سَوَاءٌ
فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِعَادَةَ عَلَى المأمومين، وإن كان إمامه مُحْدِثًا فَبَانَ حَدَثُ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ كَانُوا أَرْبَعِينَ مَعَ إِمَامِهِمْ لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ لِنُقْصَانِ عَدَدِهِمْ، وَلَهُمُ الْبِنَاءُ عَلَى الظُّهْرِ، وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعِينَ سِوَى الْإِمَامِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ تَصِحَّ لَهُمْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَأَنْ تَصِحَّ لِإِمَامِهِمْ جَازَ أَنْ تَصِحَّ لَهُمُ الْجُمُعَةُ وَيَبْنُونَ عَلَى الظُّهْرِ، لِأَنَّ انْعِقَادَ الْجُمُعَةِ بِالْإِمَامِ فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ لَهُ لَمْ تَصِحَّ لَهُمْ
وَالْوَجْهُ الثاني: تصح لهم الجمعة لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ تَصِحَّ لَهُمْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَأَنْ تَصِحَّ لِإِمَامِهِمْ جَازَ أَنْ تَصِحَّ لَهُمُ الْجُمُعَةُ وَإِنْ لم تَصِحَّ لِإِمَامِهِمْ
(مَسْأَلَةٌ)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ صَلَّى رَجُلٌ وَفِي ثَوْبِهِ نجاسةٌ مِنْ دمٍ أَوْ قَيْحٍ وَكَانَ قَلِيلًا مِثْلَ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَا يَتَعَافَاهُ النَّاسُ لَمْ يُعِدْ وَإِنْ كان كثيراً أو قليلاً بولاً أو عذرةً أو خمراً وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ أَعَادَ فِي الوقت وغير الوقت (قال المزني) ولا يعدو من صلى بنجاسةٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا فَرْضَهُ أَوْ غَيْرَ مؤدٍّ وليس ذهاب الوقت بمزيلٍ منه فَرْضًا لَمْ يُؤَدِّهِ وَلَا إِمْكَانُ الْوَقْتِ بموجبٍ عليه إعادة فرضٍ قد أداه "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا صَحِيحٌ تَوَقِّي الْأَنْجَاسِ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ، وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ، وَإِنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: إِنْ صَلَّى وَعَلَى ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ قَلَّتِ النَّجَاسَةُ أَوْ كَثُرَتْ أَيُّ نَجَاسَةٍ كَانَتْ
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ نَحَرَ جَزُورًا وَأَصَابَ ثِيَابُهُ مِنْ فَرْثِهَا وَدَمِهَا فَقَامَ وَصَلَّى. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الثَّوْبِ جَنَابَةٌ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، اتْلُوا عَلَيَّ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا غَسْلُ الثَّوْبِ مِنَ النَّجَاسَةِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى مَا ذهبنا إليه قوله تعالى " {وثيابك فطهر وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: ٤، ٥] وَالرِّجْزُ: النَّجَاسَةُ وَأَمَّا قَوْله تعالى: {وثيابك فطهر} ففيه تأويلان: