أَحَدُهُمَا: قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَنَّ تَأْوِيلَهُ لَا تَلْبَسْ ثِيَابَكَ عَلَى الْغَدْرِ وَالْمَعَاصِي، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِمَنْ غَدَرَ دَنِسَ الثَّوْبِ، وَلِمَنْ وَفَّى بِعَهْدِهِ طَاهِرَ الثَّوْبِ وَقَالَ امْرُؤُ القيس:
(ثبا بَنِي عوفٍ طَهَارَى نَقِيَّةٌ ... وَأَوْجُهُهُمْ عِنْدَ الْمَشَاهِدِ غُرَّانُ)
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ وَثِيَابَكَ فَقَصِّرْ كَيْ لا تنجر كبر، أَوْ خُيَلَاءَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فَمُبَاحٌ وَمَا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ فِي النَّارِ "
وَالتَّأْوِيلُ الثَّالِثُ: قَالَهُ الْحَكَمُ، وَمُجَاهِدٌ: أَنَّ مَعْنَاهُ وَعَمَلَكَ فَأَصْلِحْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يُحْشَرُ الْمَرْءُ فِي ثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ مَاتَ فِيهِمَا " يَعْنِي: عَمَلَهُ الصَّالِحَ، وَالطَّالِحَ
وَالتَّأْوِيلُ الرَّابِعُ: قَالَ الْحَسَنُ مَعْنَاهُ: أَنَّ خُلُقَكَ فَحَسِّنْ
وَالتَّأْوِيلُ الْخَامِسُ: أَنَّ مَعْنَاهُ وَقَلْبَكَ فَطَهِّرْ قَالَ الشَّاعِرُ:
(وَإِنْ تَكُ قَدْ سَاءَتْكَ مِنِّي خليقةٌ ... فُسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثَيَابِكِ تَنْسَلِي)
يَعْنِي: قَلْبِي مِنْ قَلْبِكِ
وَالتَّأْوِيلُ السَّادِسُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَالْفُقَهَاءُ: أَنَّ مَعْنَاهُ {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: ٤] مِنَ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الثِّيَابِ مَا لُبِسَتْ، وَحَقِيقَةُ الطَّهَارَةِ عَنِ النَّجَاسَةِ فَلَا وَجْهَ لِحَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ إِذَا كَانَ الظَّاهِرُ جَلِيًّا، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} فِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: مِنَ الْأَصْنَامِ
وَالثَّانِي: مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا وَجَبَ تَطْهِيرُهُ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْمُشْرِكِينَ من طَهَارَتِهِمْ كَانَ تَطْهِيرُهُ مِنَ الْأَنْجَاسِ أَوْلَى
وَرَوَى الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ " وَمَا وَجَبَ الْعَذَابُ مِنْ أَجْلِهِ فَاجْتِنَابُهُ وَاجِبٌ
وَرَوَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال في دم الحيض: " حتيه ثم اقرضيه ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ " وَرَوَتْ أُمُّ قَيْسٍ بِنْتُ مِحْصَنٍ أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن دم الحيض يصيب الثوب فقال: " اقرضيه واغسليه بِمَاءٍ وسدرٍ " فَدَلَّ أَمْرُهُ بِغَسْلِهِ عَلَى وُجُوبِ إزالته