حَتَّى فَلَسَ فَحَضَرَ الْبَاعَةُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ كَانَ الْبَائِعُ الثَّالِثُ أَحَقُّ بِاسْتِرْجَاعِهِ فَإِنْ عَفَا الثَّالِثُ عَنْهُ: فَهَلْ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي حَقٌّ فِي اسْتِرْجَاعِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أحدهما: أَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي اسْتِرْجَاعِهِ.
وَالثَّانِي: يَسْتَحِقُّهُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمَا يَسْتَرْجِعَانِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَيَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِالنِّصْفِ الْبَاقِي مِنَ الثَّمَنِ.
(فَصْلٌ)
فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شِقْصًا فَاسْتَحَقَّتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَفَلَسَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ حَضَرَ الْبَائِعُ وَالشَّفِيعُ وَتَنَازَعَا فِي أَخْذِ الشِّقْصِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا أَيُّهُمَا أَحَقُّ بِأَخْذِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَائِعَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الشَّفِيعِ لِأَنَّ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنَ الضَّرَرِ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُ عَلَى الشَّفِيعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: - وَهُوَ أَصَحُّ - أَنَّ الشَّفِيعَ أَوْلَى بِهِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ بِالْبَيْعِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْبَائِعُ اسْتَحَقَّ الِاسْتِرْجَاعَ بِالْفَلَسِ الْحَادِثِ فَكَانَ الشَّفِيعُ أَوْلَى لِتَقَدُّمِ حَقِّهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُشْتَرِي لَوْ بَاعَ الشِّقْصَ كَانَ الشَّفِيعُ أَوْلَى بِأَخْذِهِ فَأَوْلَى إِذَا أَفْلَسَ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِأَخْذِهِ فَعَلَى هَذَا إِذَا أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ. فَهَلْ يُقَدَّمُ الْبَائِعُ بِثَمَنِهِ أَوْ يَكُونَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِيهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَائِعَ يُقَدَّمُ بِثَمَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ كَمَا كَانَ مُقَدَّمًا بِاسْتِرْجَاعِهِ عَلَى جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْبَائِعَ أُسْوَةُ جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ فِي ثَمَنِهِ لِفَوَاتِ الْعَيْنِ وَأَنَّ مَا دَفَعَ الشَّفِيعُ مِنَ الثَّمَنِ فِي حُكْمِ مُشْتَرٍ لَوِ اشْتَرَاهُ فَدَفَعَ الثَّمَنَ كَانَ جَمِيعُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ أُسْوَةً فَكَذَلِكَ مَا دَفَعَ الشَّفِيعُ مِنَ الثَّمَنِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ أُسْوَةً.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " ويقال لمن قبل الحديث في المفلس فِي الْحَيَاةِ دُونَ الْمَوْتِ قَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْحَيِّ فَحَكَمْتُمْ بِهَا عَلَى وَرَثَتِهِ فَكَيْفَ لَمْ تَحْكُمُوا فِي الْمُفْلِسِ فِي مَوْتِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ كَمَا حَكَمْتُمْ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فَقَدْ جَعَلْتُمْ لِلْوَرَثَةِ أَكْثَرَ مِمَّا لِلْمُوَرِّثِ الَّذِي عَنْهُ مَلَكُوا وَأَكْثَرُ حَالِ الْوَارِثِ أَنْ لَا يكون له إلا ما للميت ".