وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَانَ السَّهْوُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ نَابَتِ السَّجْدَتَانِ عَنْ جَمِيعِهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ كَانَ عَلَيْهِ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ؛ وَاسْتَدَلُّوا بِرِوَايَةِ ثَوْبَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ "، وَلِأَنَّهُ جُبْرَانٌ لَمْ يَتَدَاخَلْ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَدَاخَلَ جُبْرَانُهُ كَالنَّقْصِ الْمَجْبُورِ فِي الْحَجِّ، وَهَذَا خَطَأٌ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ قِصَّةُ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَلَّمَ مِنَ اثْنَتَيْنِ نَاسِيًا، وَتَكَلَّمَ نَاسِيًا، وَمَشَى نَاسِيًا، ثَمَّ سَجَدَ لِكُلِّ ذَلِكَ سَجْدَتَيْنِ، وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لَمَّا أُخِّرَ عَنْ سَبَبِهِ وَجُعِلَ مَحَلُّهُ آخِرَ الصَّلَاةِ دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ نِيَابَتِهِ عَنْ جَمِيعِ السَّهْوِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَوْ وَجَبَ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ لَوَجَبَ أَنْ يُفْعَلَا عُقَيْبَ السَّهْوِ، أَلَا تَرَى أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ لَمَّا تَكَرَّرَ جُعِلَ مَحَلُّهُ عُقَيْبَ سَبَبِهِ، فَلَمَّا كَانَ سُجُودُ السَّهْوِ مُخَالِفًا لَهُ فِي مَحَلِّهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لَهُ فِي حُكْمِهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ فَفِيهِ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَعْنَاهُ لِكُلِّ سَهْوٍ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ سَجْدَتَانِ، لِأَنَّ " كُلَّ " لَفْظَةٍ تَسْتَغْرِقُ الْجِنْسَ
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَسْوِيَةُ الْحُكْمِ بَيْنَ قَلِيلِ السَّهْوِ وَكَثِيرِهِ، وَصِغَرِهِ وَكِبَرِهِ فِي أَنَّ فِيهِ سُجُودَ السَّهْوِ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَإِنَّمَا تَكَرَّرَ جُبْرَانُهُ، لِأَنَّ مَحَلَّهُ عُقَيْبَ سَبَبِهِ فَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الجبر أن الواحد نائباً عَنْ جَمِيعِهِ، وَلَمَّا كَانَ سُجُودُ السَّهْوِ مُؤَخَّرًا عَنْ سَبَبِهِ كَانَ نَائِبًا عَنْ جَمِيعِهِ
(مَسْأَلَةٌ)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَا سَهَا عَنْهُ مِنْ تَكْبِيرٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، أَوْ ذِكْرٍ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ، أَوْ فِي جَهْرٍ فِيمَا يُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ، أَوْ أَسَرَّ فِيمَا يَجْهَرُ فَلَا سُجُودَ لِلسَّهْوِ إِلَّا فِي عَمَلِ الْبَدَنِ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ
أَمَّا قَصْدُ الشَّافِعِيِّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيَانَ مَا يَجِبُ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ، وَجُمْلَتُهُ ضَرْبَانِ:
أحدهما: ما وجب لزيادة، فَمِثْلُ أَنْ يَتَكَلَّمَ نَاسِيًا، أَوْ يَرْكَعَ رُكُوعَيْنِ، أَوْ يَقُومَ إِلَى خَامِسَةٍ أَوْ يَتَشَهَّدَ فِي ثَالِثَةٍ نَاسِيًا فِي كُلِّ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ
أَصْلُهُ قِصَّةُ ذِي الْيَدَيْنِ
وَأَمَّا مَا وَجَبَ لِنُقْصَانٍ فَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ مَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ، وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ رُكْنًا مفروضاً
" قراءة الْفَاتِحَةِ "، وَالرُّكُوعُ، وَالسُّجُودُ، وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ فَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، فَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فَرُكْنٌ مَفْرُوضٌ غَيْرَ أَنَّهُ إِنْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَلَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ وَالْإِحْرَامُ، لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ تَمْنَعُ مِنَ انْعِقَادِ الصلاة