وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا كَانَ مَسْنُونًا مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ، وَلَيْسَ يُمْنَعُ لِمَحَلِّهِ، وَذَلِكَ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَالْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ، وَالْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، فَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في التشهد الأولى فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: سُنَّةٌ فَيَسْجُدُ لِتَرْكِهَا سُجُودَ السَّهْوِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَيْسَ بِسُنَّةٍ فَلَا سُجُودَ لِتَرْكِهَا
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا كَانَ هَيْئَةً لِفِعْلٍ، أَوْ تَبَعًا لِمَحَلٍّ فَأَمَّا مَا كَانَ تَبَعًا لِمَحَلٍّ، كَالتَّوَجُّهِ، وَالِاسْتِعَاذَةِ، وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَتَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَالدُّعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَهَذَا كُلُّهُ تَبَعٌ لِمَحَلِّهِ، وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ، وَمَا كَانَ هَيْئَةً لِفِعْلٍ كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ، وَوَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَالِافْتِرَاشِ فِي الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ، وَالتَّوَرُّكِ فِي الْجُلُوسِ الثَّانِي، وَالْجَهْرِ فِيمَا يُسَرُّ وَالْإِخْفَاءِ فِيمَا يُجْهَرُ، وَهَذَا كُلُّهُ وَنَظَائِرُهُ لَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ، وَوَافَقَنَا أبو حنيفة فِي جَمِيعِهِ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَوْجَبَ فِيهَا سُجُودَ السَّهْوِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَالْجَهْرُ فِيمَا يُسَرُّ، وَالْإِسْرَارُ فِيمَا يُجْهَرُ إِذَا كَانَ الْمُصَلِّي إِمَامًا وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ
وَقَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ فِي تَرْكِ تَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ تَعَلُّقًا بِرِوَايَةِ ثَوْبَانَ " لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ "
وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنْ لَا سُجُودَ فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ رِوَايَةُ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَكَانَ يسمع أحياناً للآية الآيتين "
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَهْرَ فِيمَا يُسَرُّ لَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَلَمَّا فَرَغَ قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ: " فَلَا بَأْسَ إِذًا "، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِسْرَارَ فِيمَا يُجْهَرُ لَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ، وَلِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْقِرَاءَةِ فَاقْتَضَى أَنْ لَا يُوجِبَ سُجُودَ السَّهْوِ كَالْمُنْفَرِدِ
وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنْ لَا سُجُودَ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ هُوَ أَنَّهُ تَكْبِيرٌ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَ فِيهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَقِيَاسًا عَلَى تَكْبِيرَاتِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنْ لَا سُجُودَ في قراءة السورة هو أنه ذكر مفعول فِي حَالِ الِانْتِصَابِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ فَوَجَبَ أن لا يلزم فِيهِ سُجُودُ السَّهْوِ كَالتَّوَجُّهِ وَالِاسْتِعَاذَةِ، فَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ فَمَخْصُوصٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى سَهْوٍ دُونَ سَهْوٍ، فَلَمْ يَصِحَّ الِاحْتِجَاجُ بِظَاهِرِهِ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عليه "، فأما قوله الشَّافِعِيِّ: " وَلَا سُجُودَ إِلَّا فِي عَمَلِ الْبَدَنِ ": أَرَادَ بِهِ لَا سُجُودَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute