للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَمْوَالِ دُونَ غَيْرِهَا، بِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ، لَقَامَ مَقَامَهُمَا فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ، فَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذَا، وَإِنْ كُنَّا قَدْ قَدَّمْنَا مِنْ دَلَائِلِ إِثْبَاتِهِ، وَنَفْيِهِ وَمَا أَوْضَحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ حِجَاجَهُ، وَأَبْطَلَ بِهِ قَوْلَ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِ، فَيَحْسُنُ تَوْضِيحُهُ، وَإِنْ تَقَدَّمَ مَا أَغْنَى عَنْهُ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِمَنْ عَارَضَهُ بِهَذَا الرَّدِّ: " أَنَا وَإِنْ أَعْطَيْتُ بِهَا "، يَعْنِي: بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ مَا أُعْطِي بِشَاهِدَيْنِ " فَلَيْسَ مَعْنَاهَا مَعْنَى شَاهِدٍ " يَعْنِي فَلَيْسَ مَعْنَاهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَعْنَى شَاهِدٍ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنَى شَاهِدٍ ثُمَّ بَيَّنَ له الشافعي فساد اعتراضه، فقال: " وأنت تبرىء الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَاهِدَيْنِ، وَبِيَمِينِهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَتُعْطِي الْمُدَّعِيَ حَقَّهُ بِنُكُولِ صَاحِبِهِ كَمَا تُعْطِي بِالشَّاهِدَيْنِ، أَفَمَعْنَى ذَلِكَ مَعْنَى شَاهِدَيْنِ؟ " يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَبْرَأُ بِيَمِينِهِ كَمَا يبرأ بشاهدين، وإن لم تكن اليمين فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَالشَّاهِدَيْنِ، وَأَنَّهُ يُحْكَمُ لِلْمُدَّعِي بِنُكُولِ صَاحِبِهِ كَمَا يُحْكَمُ لَهُ بِشَاهِدَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ النُّكُولُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَالشَّاهِدَيْنِ صَحَّ، وَأَنَّ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِهِمْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، كَذَلِكَ الْحُكْمُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَهَذَا جَوَابٌ مُقْنِعٌ.

(فَصْلٌ)

: وَحَكَى الشَّافِعِيُّ عَنِ الْمُعْتَرِضِ عَلَيْهِ اعْتِرَاضًا ثَانِيًا، فَقَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ: " وَكَيْفَ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ عَلَى وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا مَيِّتٌ أَوْ أَنَّ لِأَبِيهِ حَقًّا عَلَى رَجُلٍ آخَرَ، وَهُوَ صَغِيرٌ؟ وَهُوَ إِنْ حَلَفَ حَلَفَ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُ "؟

يُرِيدُ الْمُعْتَرِضُ بِهَذَا الْفَصْلِ أَنْ اليمين تَكُونَ فِيمَا يَقْطَعُ الْحَالِفُ بِصِحَّتِهِ، وَأَنْتُمْ تُحَلِّفُونَهُ مَعَ شَاهِدِهِ فِيمَا لَا يَقْطَعُ بِصِحَّتِهِ مِنْ وَصِيَّةِ مَيِّتٍ لَهُ وَفِي دَيْنِ أَبِيهِ إِذَا مَاتَ عَنْهُ، وَهُوَ صَغِيرٌ، وَهُوَ لَا يَقْطَعُ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا بِاسْتِحْقَاقِ الدَّيْنِ؟ .

فَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِرَدِّهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ قَالَ لِلْمُعْتَرِضِ: " وَأَنْتَ تُجِيزُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ فُلَانَ ابْنُ فُلَانٍ، وَأَبُوهُ غَائِبٌ لَمْ يَرَ أَبَاهُ قَطُّ "، يَعْنِي فِي الشَّاهِدِ يَشْهَدُ لَهُ بِالنَّسَبِ أَوْ فِي الْوَلَدِ يَحْلِفُ عَلَى نَسَبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَرَ أَبَاهُ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمَا إِلَى الْقَطْعِ بِصِحَّةِ النَّسَبِ، فَلَمْ يَمْتَنِعْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، لِأَنَّ لِلْحَالِفِ طَرِيقًا إِلَى الْعِلْمِ بِهِ مِنْ وَجْهٍ يَقَعُ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهُ إِمَّا مِنْ أَخْبَارٍ تَوَاتَرَ الْقَطْعُ بِهَا، وَإِمَّا أَخْبَارُ آحَادٍ يَقَعُ فِي النَّفْسِ صِدْقُهَا.

وَالثَّانِي: إِنْ قَالَ لِلْمُعْتَرِضِ: " وَأَنْتَ تُحَلِّفُ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مَشْرِقِيًّا اشْتَرَى عَبْدًا ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ مَغْرِبِيًّا وُلِدَ قَبْلَ جَدِّهِ، فَبَاعَهُ، فَآبِقَ، أَنَّكَ تُحَلِّفُهُ، لَقَدْ بَاعَهُ بَرِيئًا مِنَ الْإِبَاقِ عَلَى الْبَتِّ، فَأَجَابَهُ الْمُخَالِفُ بِأَنْ قَالَ: " مَا يَجِدُ النَّاسُ بُدًّا مِنْ هَذَا "، وَهَذَا اعْتِذَارُ مَنْ يَضِيقُ عَلَيْهِ الِانْفِصَالُ، وَلَيْسَ بِجَوَابٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>