وَأَمَّا مَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ فَهُوَ مَا جَرَتْ عَادَةُ التُّجَّارِ أَنْ يَفْعَلُوهُ بِأَنْفُسِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ مثل نشر البن وَطَيِّهِ وَعَرْضِ الْأَمْتِعَةِ وَمُبَاشَرَةِ الْعُقُودِ وَقَبْضِ الْأَثْمَانِ وَاقْتِضَاءِ الدُّيُونِ فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ لِأَنَّهُ بِهِ مَلَكَ الرِّبْحَ.
وَأَمَّا النِّدَاءُ عَلَى الْأَمْتِعَةِ فَمَنْ يَزِيدُ فَلَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ عُرْفَ التُّجَّارِ فِي أَمْوَالِهِمْ لَمْ يَجْرِ بِهِ وَتَكُونُ أُجُورُ الْمُنَادِينَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ.
وَأَمَّا الْوَزَّانُ فَإِنْ كان فيما يحفر ولم تجر عادة التجارة بِهِ فِي أَمْوَالِهِمْ كَانَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا يَقِلُّ وَيَخِفُّ كَالْعُودِ وَالْمِسْكِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ لِأَنَّ عَادَةَ التُّجَّارِ جَارِيَةٌ بِهِ فِي أَمْوَالِهِمْ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ لَهُ تُحْمَلُ الْأُجْرَةُ فِي مَالِهِ.
وَلَوْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ مَا يَسْتَحِقُّ فِي مَالِ الْقِرَاضِ كَانَ تَطَوُّعًا مِنْهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِ الْقِرَاضِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى عَمَلِهِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ عِوَضَيْنِ أُجْرَةً وَرِبْحًا.
فَصْلٌ
: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَهُوَ نَفَقَةُ الْعَامِلِ فَيَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَخْتَصُّ الْعَامِلُ بِالْتِزَامِهِ وَهُوَ نَفَقَةُ حَضَرِهِ فِي مَأْكُولِهِ وَمَلْبُوسِهِ لِعِلَّتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: اخْتِصَاصُ الْعَامِلِ بِالرِّبْحِ دُونَ رَبِّ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ نَفَقَةَ إِقَامَتِهِ لَا تَخْتَصُّ بِعَمَلِ الْقِرَاضِ فَلَمْ تَلْزَمْ فِي مَالِ الْقِرَاضِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: نَفَقَةُ سَفَرِهِ، فَالَّذِي رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ هُنَا أَنَّ لَهُ النَّفَقَةَ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَالَ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ وَالَّذِي أَحْفَظُ لَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ إِلَّا عَلَى نفقة معلومة في كل يوم، وثمن ما يَشْتَرِيهِ فَيَكْتَسِبُهُ وَرَوَى فِي مُخْتَصَرِهِ وَجَامِعِهِ وُجُوبَ النفقة، وجعلها في جامعه معلومة كنفقة الزوجات، وَفِي مُخْتَصَرِهِ بِالْمَعْرُوفِ كَنَفَقَاتِ الْأَقَارِبِ، فَهَذَا مَا رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ.
وَرَوَى أَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ حَاضِرًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: فَكَانَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ يَحْمِلَانِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ أَنَّ لَهُ النَّفَقَةَ فِي سَفَرِهِ لِاخْتِصَاصِ سَفَرِهِ بِمَالِ الْقِرَاضِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الِاسْتِيطَانِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا نَفَقَةَ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ اخْتِصَاصِهِ بِالرِّبْحِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ دُونَ رَبِّ الْمَالِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا نَفَقَةَ لَهُ قَوْلًا وَاحِدًا عَلَى مَا رَوَاهُ