مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَشَكَّ أَنْ تََكُونَ مِنْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ نَذْرٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً عَنْ أَيِّهَا كَانَ أَجْزَأَهُ وَلَوْ أَعْتَقَهَا لَا يَنْوِي وَاحِدَةً مِنْهَا لَمْ يُجْزِئْهُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمُقَدِّمَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيَانُ حُكْمِ النِّيَّةِ والكلام يشتمل فيها على ثلاثة فصول:
أحدهما: في وُجُوبِهَا.
وَالثَّانِي: فِي صِفَتِهَا.
وَالثَّالِثُ: فِي مَحَلِّهَا.
فَأَمَّا وُجُوبُ النِّيَّةِ فَمُسْتَحَقٌّ فِي التَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ قَدْ تُفْعَلُ عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ تَارَةً وَعَلَى طَرِيقِ التَّطَوُّعِ أُخْرَى فَوَجَبَ أَنْ تُسْتَحَقَّ فِيهَا النِّيَّةُ لِيَمْتَازَ بِهَا الْوَاجِبُ مِنَ التَّطَوُّعِ.
وَأَمَّا صِفَةُ النِّيَّةِ فَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالصِّيَامِ أَوْ بِالْإِطْعَامِ أَنَّهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ عَنْ أَيِّ كَفَّارَةٍ وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ عِتْقٌ وَاجِبٌ أَوْ صَوْمٌ وَاجِبٌ أَوْ إِطْعَامٌ وَاجِبٌ لِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ يَتَنَوَّعُ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ وَصْفِ الْوُجُوبِ بِأَنَّهُ عَنْ كَفَّارَةٍ لِتَمْيِيزِهِ.
وَأَمَّا مَحَلُّ النِّيَّةِ فَإِنْ كَانَ صَوْمًا فَفِي لَيْلِ الصِّيَامِ لَا يُجْزِئُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ كَسَائِرِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ. وَإِنْ كَانَ عِتْقًا أَوْ طَعَامًا لَمْ تُجْزِهِ النِّيَّةُ قَبْلَ أَنْ يَتَعَيَّنَ لَهُ الْعَبْدُ الَّذِي يُعْتِقُهُ وَالطَّعَامُ الَّذِي يُطْعِمُهُ، فَأَمَّا بَعْدَ تَعْيِينِ الْعَبْدِ وَالطَّعَامِ فَفِي مَحَلِّ النِّيَّةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَنْوِي مَعَ لَفْظِ الْعِتْقِ وَمَعَ تَفْرِيقِ الطَّعَامِ فَإِنْ نَوَى قَبْلَهُمَا لَمْ يُجْزِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ قَبْلَ التَّعْيِينِ وَبَعْدَ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ، وَأَصْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ اخْتِلَافُ أَصْحَابِنَا فِي مَحَلِّ النِّيَّةِ فِي الزَّكَاةِ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ فِيهَا عِنْدَ عَزْلِهَا.
وَالثَّانِي: عِنْدَ دَفْعِهَا.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ فَصُورَةُ مَسْأَلَتِنَا فِيمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاجِبَةٌ وَهُوَ شَاكٌّ فِي سَبَبِ وُجُوبِهَا هَلْ وَجَبَتْ بِقَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ، فَإِنْ أَعْتَقَ يَنْوِي بِهِ الْكَفَّارَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ مَعَ الشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَا يَجِبُ، وَإِنْ نَوَى الْعِتْقَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ أَنَّهُ فِي الْكَفَّارَةِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ نِيَّةَ التَّكْفِيرِ مُسْتَحَقَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ نِيَّةُ تَعْيِينِ السَّبَبِ غَيْرَ مُسْتَحَقَّةً، فَإِنْ كَانَ عَيَّنَ الْعِتْقَ وَنَوَى أَنَّهُ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ مَعَ الشَّكِّ