أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِ الْأَلْفِ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ بَاطِلًا لِأَنَّ تَلَفَ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُوجِبٌ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ، فَعَلَى هَذَا قَدْ بَطَلَ الْقِرَاضُ وَيَسْتَرْجِعُ الْبَائِعُ عَرْضَهُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ فِي ذِمَّةِ الْعَامِلِ، وَلَمْ يَعْقِدْهُ عَلَى عَيْنِ الْأَلْفِ فَفِي الشِّرَاءِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ لِلْعَامِلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِيَدِهِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ مَا يَكُونُ الشِّرَاءُ مَصْرُوفًا إِلَيْهِ؛ وَهَذَا على الوجه الذي يقول منه إِنَّ مَا تَلِفَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَقَبْلَ الْبَيْعِ خَارِجٌ مِنَ الْقِرَاضِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الشِّرَاءَ يَكُونُ فِي الْقِرَاضِ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ لَهُ، وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقُولُ إِنَّ مَا تَلِفَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَقَبْلَ الْبَيْعِ دَاخِلٌ فِي الْقِرَاضِ.
فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ أَلْفًا ثَانِيَةً تُصْرَفُ فِي ثَمَنِ الْعَرْضِ يَصِيرُ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَعَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَجْبُرَ بِالرِّبْحِ الْأَلْفَ التَّالِفَةَ، فَلَوْ تَلِفَتْ الْأَلْفُ الثَّانِيَةُ قَبْلَ دَفْعِهَا فِي ثَمَنِ الْعَرْضِ لَزِمَ رَبَّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ أَلْفًا ثَالِثَةً وَيَصِيرُ رَأْسُ الْمَالِ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَعَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَجْبُرَ بِالرِّبْحِ كِلَا الْأَلْفَيْنِ التَّالِفَتَيْنِ.
فَصْلٌ
: وَإِذَا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قِرَاضًا، ثُمَّ دَفَعَ بَعْدَهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ أُخْرَى قِرَاضًا فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ خَلْطِ الْأَلْفِ الثَّانِيَةِ بِالْأَلْفِ الْأُولَى فَهَذَا جَائِزٌ، وَيَكُونَ كُلُّ أَلْفٍ مِنْهُمَا قِرَاضًا مُفْرَدًا، سَوَاءٌ كَانَ مَا شَرَطَاهُ مِنْ رِبْحَيْهِمَا وَاحِدًا أَوْ مُخْتَلِفًا وَيُمْنَعَ مِنْ خَلْطِهِمَا لِلشَّرْطِ وَلِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْعَقْدِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَأْمُرَهُ بِخَلْطِ الْأَلْفِ الثَّانِيَةِ بِالْأَلْفِ الْأُولَى فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ شَرْطُ الرِّبْحِ مِنْهُمَا مُخْتَلِفًا فَلَا يَجُوزَ لِأَنَّ اخْتِلَاطَهُمَا يَمْنَعُ مِنْ تَمَيُّزِ رِبْحِهِمَا، وَيَكُونَ الْقِرَاضُ فِي الْأَلْفِ الثَّانِيَةِ بَاطِلًا.
فَأَمَّا الْأَلْفُ الْأُولَى فَإِنْ كَانَ قَدِ اشْتَرَى بِهَا عَرْضًا لَمْ يَبْطُلِ الْقِرَاضُ فِيهَا لأن العقد بعد الشراء مستقر وَإِنْ كَانَتْ بِحَالِهَا لِمَ يَشْتَرِيهَا عَرْضًا بَطَلَ الْقِرَاضُ فِيهَا لِأَنَّ الْعَقْدَ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِهَا غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ شَرْطُ الرِّبْحِ مِنْهُمَا مُتَّفَقًا، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ إِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِالْأَلْفِ الْأُولَى صَحَّ الْقِرَاضُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الشِّرَاءِ صَحَّ فِي الْأُولَى وَبَطَلَ فِي الثَّانِيَةِ. وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ التَّعْلِيلِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَشْتَرِ بِالْأُولَى عَرْضًا فَالْقِرَاضُ فِيهَا غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، فَصَارَتِ الْأَلْفَانِ قِرَاضًا وَاحِدًا، وَإِذَا اشْتَرَى بِهَا