دَعْوَى السَّارِقِ رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَى السَّارِقِ فَإِذَا حلف حكم له بملك ما سرق ولم يجب عليه قطعه كالزوج القاذف إذا لاعن سقط الحد عنه بإبهامه. وَلَوْ كَانَا سَارِقَيْنِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهُ دُونَ الْآخَرِ سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْ مُدَّعِيهَا وَلَمْ تسقط عَنِ الْآخَرِ سَوَاءٌ تَصَادَقَ السَّارِقَانِ عَلَيْهَا أَوْ تَكَاذَبَا؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ أَحَدِهِمَا لَا تَقِفُ عَلَى شبهة الآخر.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ رَبُّ الْمَتَاعِ حُبِسَ السَّارِقُ حَتَّى يَحْضُرَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي حَبْسِ السَّارِقِ إِذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ منه غائباً لم يعجل قطعه وهو مذهب الشافعي فإنه يُحْبَسُ مَا لَمْ تَطُلْ غَيْبَةُ رَبِّهَا إِذَا كَانَتِ السَّرِقَةُ مُسْتَهْلَكَةً، وَفِي حَبْسِهِ إِذَا كَانَتْ بَاقِيَةً وَجْهَانِ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَةُ رَبِّهَا بَعِيدَةً لم يحبس، لأنه لا تعلم عودته ثم ينظر فَإِنْ كَانَ الْحَبْسُ مُسْتَحَقًّا لِغُرْمِ السَّرِقَةِ طُولِبَ بِكَفِيلٍ وَأُطْلِقَ، وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ الْقَطْعِ، لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ وُضِعَتِ السَّرِقَةُ فِي يَدِ أَمِينٍ ولم يطالب بكفيل؛ لأن حدود الله تعالى لا تصح فيها الكفالات، فلو امتنع رب السَّرِقَةِ مِنْ إِقَامَةِ كَفِيلٍ حُبِسَ عَلَى إِقَامَةِ الْكَفِيلِ لَا عَلَى قُدُومِ الْغَائِبِ، فَإِنْ بَذَلَ غرم السرقة لم يحبس ولا يُكْفَلْ؛ لِأَنَّ بَذْلَ الْغُرْمِ أَقْوَى مِنَ الْكَفَالَةِ وَأُطْلِقَ، وَوُضِعَ الْغُرْمُ عَلَى يَدِ أَمِينٍ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ عَلَى سَرِقَةٍ أَوْجَبْتُ الْغُرْمَ فِي الْمَالِ وَلَمْ أوجبه في الْحَدَّ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ فِي السَّرِقَةِ حَقَّيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِآدَمِيٍّ وَهُوَ الْمَالُ.
وَالثَّانِي: لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْقَطْعُ.
وَالْأَمْوَالُ تُسْتَحَقُّ بِشَاهِدٍ وامرأتين، وشاهد وَيَمِينٍ، وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ، فَإِذَا شهد على السارق شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ، وَجَبَ الْغُرْمُ وَلَمْ يَجِبِ الْقَطْعُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَتْلُ الْعَمْدِ يوجب القود والدية فهلا إذا شهد به رجل وامرأتان يحكم عليه بالدية لأنها مال، ولا يحكم بالقود لأنه حد؟
قيل: لا يحكم ذلك إلا في قتل العمد لوقوع الفرق بينهما؛ لأن الدِّيَةَ بَدَلٌ مِنَ الْقَوَدِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فَلَمْ تَثْبُتِ الدِّيَةُ إِلَّا بِثُبُوتِ الْقَوَدِ، وَلَيْسَ الْغُرْمُ بَدَلًا مِنَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الْغُرْمُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ الْقَطْعُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute