وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِهِ، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ جَعَلَهُ مُنَاضِلًا لِنَفْسِهِ، وَالنِّضَالُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَإِنْ كَثُرَ، فَاسْتَحَالَ نِضَالُ نَفْسِهِ فَبَطَلَ.
وقال آخرون: بل علة بطلانه أنه فاضل عَلَى خِطْئِهِ بِصَوَابِهِ بِقَوْلِهِ: إِنْ كَانَ صَوَابُكَ أكثر من خطئك، والخطأة لَا يُنَاضَلُ عَلَيْهِ، وَلَا بِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ عَلَى مَا أَوْرَدَهُ الْمُزَنِيُّ هاهنا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ نِضَالَ نَفْسِهِ، وَقَالَ لَهُ: ارْمِ عَشَرَةَ أَرْشَاقٍ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ مِنَ اخْتِلَافِ الْعِلَّتَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ صَحِيحٌ، وَيَسْتَحِقُّ مَا جُعِلَ لَهُ لِلتَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ؛ لأنه بذل مال عَلَى عَمَلٍ لَمْ يُنَاضِلْ فِيهِ نَفْسَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ بَاطِلٌ لِلتَّعْلِيلِ الثَّانِي أَنَّهُ مُنَاضِلٌ على خطته وصوابه، ويتفرع على هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَالِثَةٌ:
وَاخْتَلَفَ فِيهَا أَصْحَابُنَا بِأَيِّهِمَا تَلْحَقُ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: نَاضِلْ وَارْمِ عَشَرَةَ أَرْشَاقٍ فَإِنْ كَانَ صَوَابُكَ أَكْثَرَ، فَلَكَ كَذَا فَتُوَافِقَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى فِي قَوْلِهِ: نَاضِلْ، وَتُوَافِقَ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ فِي حَذْفِ قَوْلِهِ: نَاضِلْ نَفْسَكَ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهُمَا فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي الْبُطْلَانِ؛ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: نَاضِلْ، وَالنِّضَالُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ: نَاضِلْ نَفْسَكَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَمْلِ صِحَّتِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ مِنَ اخْتِلَافِ الْعِلَّتَيْنِ إِذَا سَقَطَ قَوْلُهُ نَاضِلْ نَفْسَكَ صَارَ قَوْلُهُ: نَاضِلْ، يَعْنِي: ارْمِ عَلَى نِضَالٍ، وَالنِّضَالُ الْمَالُ، فَصَارَ كَالِابْتِدَاءِ بِقَوْلِهِ: ارْمِ عَشَرَةَ أرشاق.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَإِذَا رَمَى بسهمٍ فَانْكَسَرَ فَإِنْ أَصَابَ بِالنَّصْلِ كَانَ لَهُ خَاسِقًا وَإِنْ أَصَابَ بِالْقِدْحِ لَمْ يَكُنْ خَاسِقًا وَلَوِ انْقَطَعَ بِاثْنَيْنِ فَأَصَابَ بِهِمَا جَمِيعًا حُسِبَ الَّذِي فِيهِ النَّصْلُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ، فَإِذَا انْكَسَرَ السهم بعد خروجه عند الْقَوْسِ، فَلَهُ خَمْسَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَسْقُطَ عَادِلًا عَنِ الْهَدَفِ، فَلَا يُحْتَسَبَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فَسَادِ السَّهْمِ، لَا مِنْ سوء الرمي.