عِتَاقًا، وَهِجَانًا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: ٦٠] . فَأَخْبَرَ بِإِعْدَادِهَا لِأَوْلِيَائِهِ فِي جِهَادِ أَعْدَائِهِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ
الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
يَعْنِي بِالْخَيْرِ الْغَنِيمَةَ، وَهُمُ الْمَغْنُومُونَ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَصِيرُوا بِهَا غَانِمِينَ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ
الْخَيْلُ ظُهُورُهَا عِزٌّ وَبُطُونُهَا كَنْزٌ.
وَأَمَّا صِفَةُ الْمَرْكُوبِ، فَيُخْتَارُ أَنْ يَرْكَبُوا عَلَى الْأُكُفِ عُرْضًا لِرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَخْتِمُوا فِي رِقَابِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالرَّصَاصِ، وَأَنْ يُظْهِرُوا مَنَاطِقَهُمْ، وَيَجُزُّوا نَوَاصِيَهُمْ، وَيَرْكَبُوا الْأُكُفِ عُرْضًا، وَلَا يَتَشَبَّهُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي لَبُوسِهِمْ.
فَأَمَّا الْخَتْمُ بِالرَّصَاصِ فِي رِقَابِهِمْ، فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا إِظْهَارُ مَنَاطِقِهِمْ، فَهُوَ شَدُّ الزُّنَّارِ فِي أَوْسَاطِهِمْ، فَوْقَ ثِيَابِهِمْ، وَأَمَّا جَزُّ نَوَاصِيهِمْ فَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تحذيفهم في مقدم رؤوسهم. وَأَمَّا رُكُوبُ الْأُكُفِ عُرْضًا فَهُوَ أَنْ تَكُونَ رِجْلَا الرَّاكِبِ إِلَى جَانِبٍ، وَظَهْرُهُ إِلَى جَانِبٍ، فَإِنَّ تَجَاوُزَ الْأُكُفَ إِلَى ضِدِّهِ بِحَمْلِ الْأَثْقَالِ إِلَى السُّرُوجِ بِمَا تَمَيَّزَ مِنْ سُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتْ رُكُبُهُمْ فِيهَا خَشَبًا، وَلَمْ تَكُنْ حَدِيدًا وَيُمْنَعُونَ مَنْ تَخَتُّمِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّطَاوُلِ وَالْمُبَاهَاةِ، وَلَوْ وُسِمَتْ بِغَالُهُمْ بِمَا يتميز به عما للمسلمين كان أولى.
[(مسألة]
) : قال الشافعي: " وَلَا يَدْخُلُوا مَسْجِدًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مُعْتَبَرٌ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ مَعَهُمْ، فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ أَنْ لَا يَدْخُلُوا مَسْجِدَ الْمُسْلِمِينَ مُنِعُوا مِنْ دُخُولِهِ بِحُكْمِ الشَّرْطِ، وَإِنْ أُغْفِلَ شَرْطُهُ عَلَيْهِمْ مُنِعُوا مِنْ دُخُولِهِ لِأَكْلٍ وَمَنَامٍ، لِمَا فِيهِ مِنِ اسْتِبْذَالِهِمْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ الْمُسْلِمُ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَهُ دِينًا، وَالْمُشْرِكَ يَرَى اسْتِبْذَالَهُ دِينًا.
وَأَمَّا دُخُولُهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، وَمَا يَعْرِضُ فِيهِ مِنْ حَاجَةٍ إِلَى مُسْلِمٍ، فَيَجُوزُ بِإِذْنٍ وَيُمْنَعُونَ مِنْهُ بِغَيْرِ إِذَنٍ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ، فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: ٦] . فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى إِبَاحَةِ الدُّخُولِ بَعْدَ الْإِذْنِ.
فَإِنْ قَدِمَتْ وُفُودُ الْمُشْرِكِينَ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُنْزِلَهُمُ الْإِمَامُ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ، فَإِنْ أَرَادَ إِنْزَالَهُمْ فِي الْمَسَاجِدِ اعْتُبِرَتْ حَالُهُمْ.
فَإِنْ خِيفَ مِنْهُمْ تَنْجِيسُ الْمَسْجِدِ مُنِعُوا مِنْ نُزُولِهِ، وَإِنْ أُمِنَ مِنْهُمْ تَنْجِيسُهُ نُظِرَ