للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَقَطَ بِالْمِلْكِ وَلِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ رَدُّ عَيْنِهِ بِحُكْمِ السَّرِقَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُلْزَمَ رَدَّ بَدَلِهِ عِنْدَ التَّلَفِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ الْقَطْعُ؛ وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَأْخُوذٌ عَلَى وَجْهِ الْعُدْوَانِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فِي الْغُرْمِ كَالْغَصْبِ وَلِأَنَّ الْغُرْمَ حَقٌّ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ ثَبَتَ فِي قَلِيلِ الْمِلْكِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ فِي كَثِيرِهِ قِيَاسًا عَلَى رَدِّ الْعَيْنِ، وَلِأَنَّ مَا ضُمِنَ نُقْصَانُهُ ضُمِنَ بِالتَّلَفِ جَمِيعُهُ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَلِأَنَّ الْمَالَ الْكَثِيرَ يُغَلَّظُ حُكْمُهُ بِإِيجَابِ الْقَطْعِ فَلَمْ يَجِبْ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْ تَغْلِيظِ الْحُكْمِ التَّخْفِيفَ بِإِسْقَاطِ الْغُرْمِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ، فَهُوَ أَنَّ الْقَطْعَ جَزَاءُ السَّرِقَةِ وَالْغُرْمَ جَزَاءُ التَّلَفِ. أَلَا تَرَاهُ لَوْ أَتْلَفَ الْمَسْرُوقَ فِي حِرْزِهِ لَزِمَهُ الْغُرْمُ دُونَ الْقَطْعِ وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مِنْ حِرْزِهِ لَزِمَهُ الْقَطْعُ وَلَا غُرْمَ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ مَعَ ضَعْفِهِ وَوَهَاءِ إِرْسَالِهِ وَإِسْنَادِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى إِسْقَاطِ غُرْمِ الْعُقُوبَةِ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ كَانَتْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بِالْغَرَامَةِ. فَكَانَ يُغَرَّمُ السَّارِقُ مِثْلَيْ مَا سَرَقَ لِيَكُونَ أحدهما حداً والآخر غرماً فصار القطع حيث ثَبَتَ مُسْقِطًا لَغُرْمِ الْحَدِّ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّهُ يَصِيرُ بِالْغُرْمِ مَالِكًا فَهُوَ أَنَّ مَا تَلِفَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْتَحْدَثَ عَلَيْهِ مِلْكٌ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْغُرْمُ اسْتِهْلَاكًا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ الْقَطْعَ وَالْغُرْمَ عُقُوبَتَانِ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فَهُوَ أَنَّهُمَا وَجَبَا بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَجَازَ أَنْ يَجْتَمِعَا كَمَا يَجْتَمِعُ فِي الْعَبْدِ الْقِيمَةُ وَالْحَدُّ، أَوْ فِي الْقَتْلِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ وَلَوْ كَانَ لِتَنَافِي اجْتِمَاعِهِمَا أَنْ يَسْقُطَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ لَكَانَ سُقُوطُ الْقَطْعِ بِإِيجَابِ الْغُرْمِ أَوْلَى مِنْ سُقُوطِ الْغُرْمِ بِإِيجَابِ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ لله تَعَالَى يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ. وَالْغُرْمُ حَقُّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْحَدِّ وَالْمَهْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

: فَلَوْ أَحْرَزَ السَّارِقُ السَّرِقَةَ فَسَرَقَهَا آخَرُ لَمْ يُقْطَعِ الثَّانِي وَقُطِعَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ إِخْرَاجَهَا مِنْ حِرْزِ السَّارِقِ الْأَوَّلِ وَاجِبٌ.

[مسألة]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَيْسَ لِعِرْقٍ ظالمٍ حَقٌّ " فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْلَعَ غَرْسَهُ وَيَرُدَّ مَا نَقَصَتِ الْأَرْضُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَرْضَ وَالْعَقَارَ يجري عليها حكم الغصب إبراءاً أَوْ ضَمَانًا وَبِهِ قَالَ فُقَهَاءُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَصْرَةِ، وَخَالَفَ أَهْلُ الْكُوفَةِ. فَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَجْرِي عَلَى الْأَرْضِ حُكْمُ الْغَصْبِ وَلَا حُكْمُ الضَّمَانِ بِالْيَدِ، وَهُوَ قَوْلُ أبي يوسف الْأَوَّلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>