للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: إِنَّ كَذِبَ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ صِدْقَ الْآخَرِ، وَقَدِ اشْتَبَهَ الصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا مَرْدُودَةٌ، فَقَدْ نَقَلَ الْمُزَنِيُّ هاهنا، " وَمِثْلُ هَذَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ) ، وَنَقَلَ الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ الْأُمِّ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ - فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِلَافِ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إسحاق المروزي أن الصحيح ما نقله المزني هاهنا، أَنَّهُ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَيَكُونُ الرَّبِيعُ سَاهِيًا فِي زِيَادَةِ لَا؛ لِأَنَّهُمَا قَدِ اتَّفَقَا عَلَى الشَّهَادَةِ بِالْقَتْلِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ الصَّحِيحَ، مَا نَقَلَهُ الرَّبِيعُ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَيَكُونُ الْمُزَنِيُّ سَاهِيًا فِي حَذْفِ لَا لِأَنَّ تَكَاذُبَهُمَا يُسْقِطُ شَهَادَتَهُمَا.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إِنَّ كِلَا النَّقْلَيْنِ صَحِيحٌ وَإِنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ مِثْلَ تَكَاذُبِ الْوَلِيَّيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُوجِبُ الْقَسَامَةَ.

وَالثَّانِي: لَا يُوجِبُهَا.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُمَا عَلَى إِقْرَارِهِ بِالْقَتْلِ فَيَقُولُ

أَحَدُهُمَا: أَقَرَّ عِنْدِي [أَنَّهُ قَتَلَهُ غُدْوَةً. وَيَقُولُ الْآخَرُ] أَنَّهُ قَتَلَهُ عَشِيَّةً أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا: أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ، وَيَقُولُ الْآخَرُ أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّهُ قَتَلَهُ بِعَصًا، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا: أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالْبَصْرَةِ، وَيَقُولُ الْآخَرُ أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالْكُوفَةِ، فَهَذِهِ شَهَادَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالْقَتْلِ لَا تَعَارُضَ فِيهَا وَإِنَّمَا التَّعَارُضُ مِنَ الْمُقِرِّ بِالْقَتْلِ فِي صِفَةِ الْقَتْلِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالْقَتْلِ فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفِعْلَيْنِ عَمْدًا يُوجِبُ الْقَوَدَ أَقَدْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَطَأً لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَوَدُ، وَلَزِمَتْهُ دِيَةُ الْخَطَأِ مُؤَجَّلَةً فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَمْدًا مُوجِبًا لِلْقَوَدِ وَالْآخَرُ خَطَأً لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ، صَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إِقْرَارِهِ بِقَتْلِ الْعَمْدِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى إِقْرَارِهِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ، فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى فِي الرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالْعَمْدِ أَقَدْنَاهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْخَطَأِ أَحْلَفْنَاهُ، وَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْبَيَانِ جَعَلْنَاهُ نَاكِلًا، وَأَحْلَفْنَا وَلِيَّ الدَّمِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنَ الْعَمْدِ، فَإِنْ نَكَلَ حَكَمْنَا لَهُ بِدِيَةِ الْخَطَأِ فِي مَالِهِ دُونَ عاقلته.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُخَالِفٌ لِلْفِعْلِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا أَقَامَ وَلِيُّ الدَّمِ شَاهِدَيْنِ، شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى فِعْلِ الْقَتْلِ، فَقَالَ رَأَيْتُهُ قَتْلَهُ، وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ، قَالَ: أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّهُ قتله لم

<<  <  ج: ص:  >  >>