وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة: لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ وَقَعَتْ بالموت وَخَالَفَتِ الرَّضَاعَ وَالرِّدَّةَ لِمَا فِيهِمَا مِنَ التُّهْمَةِ لِاخْتِيَارِ الْفُرْقَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقَتْلِ تُهْمَةٌ بِاخْتِيَارِ الْفُرْقَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ، وَأَبِي حَامِدٍ المروزي - أن الجواب على ظاهره فتكون لَهَا الْمَهْرُ إِنْ كَانَتْ حُرَّةً وَلَا يَكُونُ لَهَا الْمَهْرُ إِنْ كَانَتْ أَمَةً وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ فَرْقِ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّ الْحُرَّةَ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضَةِ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا مَتَى شَاءَ فَصَارَ التَّسْلِيمُ مِنْ جِهَتِهَا مَوْجُودًا فَاسْتَحَقَّتِ الْمَهْرَ بِحُدُوثِ التَّلَفِ وَالْأَمَةُ بِخِلَافِهَا، لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا إِذَا شَاءَ حَتَّى يَرْضَى السَّيِّدُ فَصَارَ التَّسْلِيمُ مِنْ جِهَتِهَا غَيْرَ مَوْجُودٍ فَسَقَطَ الْمَهْرُ.
وَالْفَرْقُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ نِكَاحِ الحرة الألفة والمواصلة دون الوطء لجواز عقده على من لا يمكن وطئها مِنْ صَغِيرَةٍ وَرَتْقَاءَ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ قَبْلَ الدُّخُولِ فَثَبَتَ لَهَا الْمَهْرُ وَالْمَقْصُودُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْوَطْءُ دُونَ الْمُوَاصَلَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِلَّا مِنْ خَوْفِ الْعَنَتِ وَذَلِكَ غَيْرُ حَاصِلٍ لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَسَقَطَ الْمَهْرُ.
والفرق الثالث: أن الحرة قد تستنفد مِيرَاثَهَا فَجَازَ أَنْ يَغْرَمَ مَهْرَهَا وَالْأَمَةُ لَمْ تستنفد ميراثها فلم تغرم مهرها والله أعلم.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ بَاعَهَا حَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا فَلَا مهر له حَتَّى يَدْفَعَهَا إِلَيْهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهَا صَحَّ الْبَيْعُ وَلَمْ يَبْطُلِ النِّكَاحُ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَرَتْ بَرِيْرَةَ، وَهِيَ ذَاتُ زَوْجٍ فَأَثْبَتَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الشِّرَاءَ وَلَمْ يُبْطِلِ النِّكَاحَ وَخَيَّرَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ بين المقام أو الفسخ.
وَالثَّانِي: أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ تَنَاوَلَ الِاسْتِمْتَاعَ وَعَقْدَ الْبَيْعِ تَنَاوَلَ الرَّقَبَةَ فَتَنَاوَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَقْدَيْنِ غَيْرَ مَا تَنَاوَلَهُ الْآخَرُ فَصَحَّا مَعًا، كَمَا لَوْ آجَّرَهَا ثُمَّ بَاعَهَا فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيِسَ لَوْ آجَّرَهَا ثُمَّ بَاعَهَا كَانَ بَيْعُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ، فَهَلَّا كَانَ بِيعُهَا بَعْدَ تَزْوِيجِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ قُلْنَا: إِنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ حَائِلَةٌ، لِأَنَّ السَّيِّدَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا له فَجَازَ أَنْ يَبْطُلَ بَيْعُهَا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَيَدُ الزَّوْجِ غَيْرُ حَائِلَةٍ، لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا إِلَيْهِ فَصَحَّ بَيْعُهَا قَوْلًا وَاحِدًا.
فَصْلٌ
فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الْبَيْعِ وَصِحَّةُ النِّكَاحِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: