للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا حَدَثَ عَنْهُ مِنَ الرِّبْحِ مِلْكًا لِرَبِّهِ دُونَ غَاصِبِهِ لِأَنَّهُمَا مَعًا نَمَاءٌ عَنْ مِلْكِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ سَبَبٍ مَحْظُورٍ تُوُصِّلَ بِهِ إِلَى مِلْكِ مَالٍ، كَانَ ذَلِكَ السَّبَبُ الْمَحْظُورُ مَانِعًا مِنْ مِلْكِ ذَلِكَ الْمَالِ كَمِيرَاثِ الْقَاتِلِ لَمَّا كَانَ الْقَتْلُ مَحْظُورًا عَلَيْهِ مُنِعَ مِنَ الْمِيرَاثِ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ الْمِيرَاثُ ذَرِيعَةً إِلَى الْقَتْلِ. كَذَلِكَ الْغَاصِبُ لَمَّا كَانَ الْغَصْبُ مَحْظُورًا عَلَيْهِ مُنِعَ مِنْ أَنْ يَمْلِكَ الرِّبْحَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الرِّبْحَ بِغَصْبِهِ لَصَارَ ذَرِيعَةً إِلَى الْغَصْبِ لِيَرُدَّ الْمَالَ بَعْدَ اسْتِفَادَةِ الرِّبْحِ، فَهَذَا عَلَى وَجْهِ قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة إِنَّ الرِّبْحَ لِلْغَاصِبِ دُونَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ شيئان:

أحدها: أَنَّ كُلَّ نَمَاءٍ حَدَثَ عَنْ سَبَبٍ كَانَ مِلْكُ ذَلِكَ النَّمَاءِ لِمَالِكِ ذَلِكَ السَّبَبِ، وَرِبْحُ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ حَادِثٌ عَنِ التَّقَلُّبِ وَالْعَمَلِ دُونَ المال فاقتضى أن يكون ملكاً لمن فه التَّقَلُّبُ وَالْعَمَلُ دُونَ مَنْ لَهُ الْمَالُ وَهُوَ الْغَاصِبُ دُونَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الثِّمَارَ وَالنِّتَاجَ لَمَّا كَانَتْ حَادِثَةً عَنِ الْمَالِ دُونَ الْعَمَلِ كَانَتْ لِمَنْ لَهُ الْمَالُ دُونَ مَنْ لَهُ الْعَمَلُ وَهُوَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ دُونَ الْغَاصِبِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْغَاصِبَ مَأْخُوذٌ بِمِثْلِ مَا اسْتَهْلَكَ بِغَصْبِهِ، وَهُوَ إِنَّمَا اسْتَهْلَكَ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ دُونَ الرِّبْحِ، فَوَجَبَ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ الْمَالِ المغصوب دون الربح.

فهذا توجيه قوليه فِي الْجَدِيدِ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْغَاصِبِ فَحُكْمُ الْعَامِلِ إِذَا قَارَضَ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ بِالْقِرَاضِ غَاصِبٌ فَيَصِيرُ ضَامِنًا لِلْمَالِ، وَفِي الرِّبْحِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْقَدِيمُ إِنَّ رِبْحَ الْمَغْصُوبِ لِرَبِّ الْمَالِ، فَعَلَى هذا قال المزني ها هنا إِنَّ لِرَبِّ الْمَالِ نِصْفَ الرِّبْحِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ الْعَامِلِ الْأَوَّلِ وَالْعَامِلِ الثَّانِي.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ:

فَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يَقُولُ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَمِيعُ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ رِبْحُ مَالٍ مَغْصُوبٍ فَأَشْبَهُ الْمَغْصُوبَ مِنْ غَيْرِ مُقَارَضَةٍ، فَإِذَا أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ مَالَهُ وَرِبْحَهُ كُلَّهُ رَجَعَ الْعَامِلُ الثَّانِي عَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَهْلِكُ لِعَمَلِهِ وَالْعَامِلُ لَهُ بِقِرَاضِهِ.

فَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ الْعَامِلِ الثَّانِي كَانَ رَبُّهُ بِالْخِيَارِ فِي الرُّجُوعِ بِرَأْسِ مَالِهِ وَجَمِيعِ رِبْحِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنَ الْعَامِلِ الْأَوَّلِ أَوِ الْعَامِلِ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَوَّلَ ضَامِنٌ بِعُدْوَانِهِ وَالثَّانِي ضَامِنٌ بِيَدِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>