فَإِنْ أُغْرِمَ الْأَوَّلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الثَّانِي بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ أَمِينُهُ فِيمَا غَرِمَهُ، وَإِنْ أُغْرِمَ الثَّانِي رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا غَرِمَهُ مَعَ أُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِ.
وَلَا يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ وَإِنْ أَخَذَ جَمِيعَ الرِّبْحِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْعَامِلَيْنِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِإِجْرَاءِ حُكْمِ الْغَصْبِ عَلَيْهِمَا بِالْمُخَالَفَةِ.
وَذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ مَا رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ صَحِيحٌ، وَأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَيْسَ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ إِلَّا نَصِفُهُ بِخِلَافِ الْمَأْخُوذِ غَصْبًا محضاً، لأن رب المال في هذا الوضع دَفَعَ الْمَالَ رَاضِيًا بِالنِّصْفِ مِنْ رِبْحِهِ وَجَاعِلًا نِصْفَهُ الْبَاقِيَ لِغَيْرِهِ، فَذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْهُ إِلَّا النِّصْفَ.
فَأَمَّا النِّصْفُ الْبَاقِي فَقَدْ رَوَى الْمُزَنِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَ الْعَامِلَيْنِ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّ هَذَا خَطَأٌ مِنَ الْمُزَنِيِّ فِي نَقْلِهِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ الْبَاقِي مِنَ الرِّبْحِ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ، وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلثَّانِي لِفَسَادِ عَقْدِهِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ بِأُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِ، فَيُجْعَلُ الرِّبْحُ بَيْنَ رَبِّ المال وَالْعَامِلِ الْأَوَّلِ، وَيُجْعَلُ لِلثَّانِي أَنْ يَرْجِعَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ عَلَى الْأَوَّلِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ نَقْلَ الْمُزَنِيِّ صَحِيحٌ، وَيَكُونُ النِّصْفُ الْبَاقِي مِنَ الرِّبْحِ بَيْنَ الْعَامِلَيْنِ نِصْفَيْنِ عَلَى شَرْطِهِمَا، لِأَنَّهُ لَمَّا جَرَى عَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ حُكْمُ الْقِرَاضِ مَعَ رَبِّ الْمَالِ، جَرَى عَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ حُكْمُ الْقِرَاضِ مَعَ الْعَامِلِ الثَّانِي فَصَارَ النِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى سَوَاءٍ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ فِيمَا أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ مِنْ نِصْفِ الرِّبْحِ، لِأَنَّهُ بِاسْتِحْقَاقِ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ مِنْهُمَا، وَيَصِيرَا كَأَنَّهُ لَا رِبْحَ لَهُمَا إِلَّا النِّصْفُ الْبَاقِي، فَهَذَا حُكْمُ قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْجَدِيدُ إِنَّ رِبْحَ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ لِلْغَاصِبِ، فَعَلَى هَذَا لَا شَيْءَ لِرَبِّ الْمَالِ فِي الرِّبْحِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ أَيِّ الْعَامِلَيْنِ شَاءَ بِرَأْسِ مَالِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِعُدْوَانِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَبِيَدِهِ.
فَأَمَّا الرِّبْحُ فَقَدْ قَالَ الْمُزَنِيُّ: يَكُونُ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَحْكِيٌّ أَنَّ الْمُزَنِيَّ مُخْطِئٌ فِي نَقْلِهِ، وَالرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْعَامِلِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إِذَا صَارَ الرِّبْحُ تَبَعًا لِلْعَمَلِ، وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْمَالِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلثَّانِي الَّذِي لَهُ الْعَمَلُ دُونَ الْأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute