أَحَدُهُمَا: أَنَّ عُرْفَ النَّاسِ فِي رَهْنِ مَا يَفْسَدُ قَبْلَ حُلُولِ الْحَقِّ أَلَّا يَمْتَنِعُوا مِنْ بَيْعِهِ إِذَا خِيفَ فَسَادُهُ قَبْلَ حُلُولِ الْحَقِّ فَجَازَ رَهْنُهُ فِي الْمُؤَجَّلِ تَغْلِيبًا لِبَيْعِهِ قَبْلَ فَسَادِهِ عُرْفًا كَمَا جَازَ رَهْنُهُ فِي الْمُعَجَّلِ تَغْلِيبًا لِبَيْعِهِ قَبْلَ فَسَادِهِ حُكْمًا وَتَحْرِيرُهُ: أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ رَهْنُهُ فِي الْمُعَجَّلِ جَازَ رَهْنُهُ فِي الْمُؤَجَّلِ كَالَّذِي لَا يَفْسَدُ فِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ حُدُوثَ الْفَسَادِ بِمَا لَا يَفْسَدُ جَارٍ مَجْرَى فَسَادِ مَا يَفْسَدُ لِأَنَّهُمَا قَدْ يقضيان إلى التلف. فلما كان لو رهن مالا يَفْسَدُ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ مِثْلَ كَسْرِ الْحَيَوَانِ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ صِحَّةِ الرَّهْنِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَقَدُّمُ الْفَسَادِ فِيمَا يَفْسَدُ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ جَوَازِ الرَّهْنِ.
وَتَحْرِيرُهُ: أَنَّهُ فَسَادٌ لَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ فَوَجَبَ أَلَّا يَمْنَعَ مِنْ جَوَازِ الرَّهْنِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ رَهْنَهُ بَاطِلٌ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ إِذَا كَانَ مُطْلَقًا بِمَنْزِلَتِهِ لَوْ شَرَطَ نُطْقًا فَلَمَّا كَانَ شَرْطُ تَبْقِيَتِهِ إِلَى حُلُولِ الْحَقِّ مَانِعًا مِنْ جَوَازِ رَهْنِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِطْلَاقُ عَقْدِهِ مَانِعًا مِنْ جَوَازِ رَهْنِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ أَحْكَامَ الْعُقُودِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مُوجِبَاتِ أُصُولِهَا دُونَ مَا يَتَطَوَّعُ بِهِ الْمُتَعَاقِدَانِ فِيهَا وَحَبْسُ الرَّهْنِ إِلَى حُلُولِ الْحَقِّ وَاجِبٌ وَاتِّفَاقُهُمَا عَلَى بَيْعِهِ قَبْلَ حُلُولِ الْحَقِّ لِأَجْلِ فَسَادِهِ تَطَوُّعٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَطَوُّعِهِمَا بِبَيْعِهِ لِيَصِحَّ الرَّهْنُ وَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى وُجُوبِ إِمْسَاكِهِ إِلَى حُلُولِ الْحَقِّ لِيُفْسِدَ الرَّهْنَ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا آبِقًا أَنْ يَحْمِلَ الْبَيْعَ عَلَى جَوَازِ وَجُودِهِ لِيَصِحَّ الْعَقْدُ وَحَمَلَ عَلَى تَعَذُّرِ وُجُودِهِ وَإِنْ بَطَلَ الْبَيْعُ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا قُلْنَا بِبُطْلَانِ رَهْنِهِ كَانَ فِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ قَوْلَانِ:
وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ رَهْنِهِ لَمْ يَلْزَمِ الرَّاهِنَ بَيْعُهُ عِنْدَ فَسَادِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا فِي أَلَّا يَجِبَ بَيْعُهُ عِنْدَ فَسَادِهِ، وَبَيْنَ مَا لَا يَفْسَدُ فِي وُجُوبِ بَيْعِهِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ حُدُوثِ فَسَادِهِ:
أَنَّ الْبَيْعَ يَمْنَعُ مِنَ الْفَسَادِ فَوَجَبَ بَيْعُ مَا لَمْ يَكُنْ فَاسِدًا إِذَا حَدَثَ فِيهِ الْفَسَادُ لِيَكُونَ الرَّهْنُ بَاقِيًا فِي الِانْتِهَاءِ عَلَى حُكْمِهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا كَانَ فَاسِدًا وَقْتَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ فِي الِانْتِهَاءِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ فَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ كَالْمَشْرُوطِ فِيهِ إِذَا امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ بَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ فَسَادِهِ لِأَنَّ فَسَادَهُ قَدْ كَانَ مَعْلُومًا بِهِ.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا بِلَا نَخْلٍ فَأَخْرَجَتْ نَخْلًا فَالنَّخْلُ خَارِجٌ مِنَ الرَّهْنِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَلْعُهَا لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهَا حَتَّى يحل الحق