[(فصل)]
: وإن أَرَادَ اسْتِنْجَاءَ دُبُرِهِ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يُرِيدَ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ أَوِ اسْتِعْمَالَ الْأَحْجَارِ، فَإِنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ اعْتَمَدَ عَلَى الْوُسْطَى مِنْ أَصَابِعِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَاسْتَعْمَلَ مِنَ الْمَاءِ مَا يَقَعُ لَهُ الْعِلْمُ بِزَوَالِ النَّجَاسَةِ عَيْنَا وَأَثَرًا، فَإِنْ شَمَّ مِنْ أَصَابِعِهِ الْوُسْطَى الَّتِي بَاشَرَ بِهَا الِاسْتِنْجَاءَ رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى بَقَاءِ النَّجَاسَةِ أَوْ لَا عَلَى وجهين:
أحدهما: أنه يكون ذلك دليلاً عَلَى نَجَاسَةِ الْمَحَلِّ، وَأَنَّ فَرْضَ الِاسْتِنْجَاءِ لَمْ يَسْقُطْ لِأَنَّ بَقَاءَ الرَّائِحَةِ فِي الْأُصْبُعِ لِتَعَدِّيهَا مِنْ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الْمُسْتَنْجِي مَنْدُوبًا إِلَى شَمِّ أُصْبُعِهِ وَهَذَا مِمَّا تَعَافُهُ النُّفُوسُ وَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ بَقَاءَ الرَّائِحَةِ فِي أُصْبُعِهِ لَا تَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِي الْأُصْبُعِ لِأَنَّ بَقَاءَ النَّجَاسَةِ فِي عُضْوٍ لَا يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا فِي غَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَكُونُ الْمُسْتَنْجِي مَنْدُوبًا إِلَى شَمِّ أُصْبُعِهِ لِأَجْلِ الِاسْتِنْجَاءِ.
فَإِنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَ الْأَحْجَارِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي كَيْفِيَّةِ اسْتِعْمَالِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ يَمْسَحُ بِالْحَجَرِ الْأَوَّلِ الصَّفْحَةَ الْيُمْنَى مِنْ مُقَدَّمِهَا إِلَى مُؤَخَّرِهَا، وَيَمْسَحُ بِالْحَجَرِ الثَّانِي الصَّفْحَةَ الْيُسْرَى مِنْ مُؤَخَّرِهَا إِلَى مُقَدَّمِهَا، ثُمَّ يَمْسَحُ بِالْحَجَرِ الثَّالِثِ جَمِيعَ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَسْرُبَةُ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أحجارٍ يُقْبِلُ بحجرٍ وَيُدْبِرُ بِالثَّانِي وَيُحَلِّقُ بِالثَّالِثِ ".
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَمْسَحُ بِالْحَجَرِ الْأَوَّلِ مِنْ مُقَدَّمِ الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى إِلَى مُؤَخَّرِهَا ثُمَّ يُدِيرُهُ إِلَى الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى مِنْ مُؤَخَّرِهَا إِلَى مُقَدَّمِهَا ثُمَّ يَمْسَحُ بِالْحَجَرِ الثَّانِي مِنْ مُقَدَّمِ الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى إِلَى مُؤَخَّرِهَا ثُمَّ يُدِيرُهُ عَلَى الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى مِنْ مُؤَخَّرِهَا إِلَى مُقَدَّمِهَا ثُمَّ يَمْسَحُ بِالْحَجَرِ الثَّالِثِ جَمِيعَ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَسْرُبَةُ لِرِوَايَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أحجارٍ حَجَرَيْنِ لِلصَّفْحَتَيْنِ وحجرٍ لِلْمُسْرُبَةِ ". وَالْمَسْرُبَةُ: مَخْرَجُ الْغَائِطِ مَأْخُوذٌ مِنْ سَرَبَ الْمَاءُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute