فَعَلَى هَذَا. هَلْ لِلْمُصَالَحِ خِيَارٌ فِيهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا خِيَارَ لَهُ لِاسْتِقْرَارِ قَبْضِهِ وَفَوَاتِ رَدِّهِ. فَعَلَى هَذَا يُقِيمُ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ بِحِسَابِهِ مِنَ الصُّلْحِ وَقِسْطِهِ وَيَرْجِعُ مِنَ الدَّارِ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ عَاوَضَ عَلَى مُدَّةٍ كَامِلَةٍ وَصَفْقَةٍ سَلِيمَةٍ فَكَانَ النَّقْصُ فِيهَا غَبْنًا مُوجِبًا لِلْخِيَارِ كَالنَّقْصِ فِي الْأَعْيَانِ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الصُّلْحَ فِيمَا مَضَى وَبَيْنَ أَنْ يُقِيمَ.
فَإِنْ فَسَخَ فِيمَا مَضَى غُرِّمَ مِثْلَ أُجْرَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَاسْتَرْجَعَ الدَّارَ كُلَّهَا. وَإِنْ أَقَامَ فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُقِيمُ عَلَى مَا مَضَى بِجَمِيعِ الصُّلْحِ.
وَالثَّانِي: بِحِسَابِهِ وَقِسْطِهِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا تَدَاعَى رَجُلَانِ جِدَارًا بَيْنَ دَارَيْهِمَا فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا اتِّصَالَ الْبُنْيَانِ الَّذِي لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ إِلَّا مِنْ أَوَّلِ الْبُنْيَانِ جَعَلْتُهُ لَهُ دُونَ الْمُنْقَطِعِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يَحْدُثُ مِثْلُهُ بَعْدَ كَمَالِ بُنْيَانِهِ مِثْلُ نَزْعِ طُوبَةٍ وَإِدْخَالِ أُخْرَى أَحْلَفْتُهُمَا بِاللَّهِ وَجَعَلْتُهُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَوْصُولٍ بِوَاحِدٍ مِنْ بِنَائِهِمَا أَوْ مُتَّصِلًا بِبِنَائِهِمَا جَمِيعًا جَعَلْتُهُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَنْ أُحْلِفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا: فِي حَائِطٍ بَيْنَ دَارَيْنِ تَنَازَعَهُ الْمَالِكَانِ وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ لِي دُونَكَ وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَاهُ.
فَلَا يَخْلُو حَالُ الْحَائِطِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِبِنَائِهِمَا أَوْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا عَنْ بِنَائِهِمَا أَوْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا مُنْفَصِلًا عَنْ بِنَاءِ الْآخَرِ.
فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا ببنائهما أو منفصلا عن بنائهما فَهُمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.
وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَاتِّصَالُهُ هُوَ أَنْ يَكُونَ بِنَاءُ أَحَدِهِمَا قَدِ اتَّصَلَ بِبِنْيَةِ الْحَائِطِ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ إِحْدَاثُ مِثْلِهِ بَعْدَ كَمَالِ الْبِنَاءِ فَصَارَتْ حَائِطَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمُعَارَضَةُ مُسْنَدة بِالْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ أَمْ لَا.
وَقَالَ أبو حنيفة: اتِّصَالُ الْبِنَاءِ أَنْ يَكُونَ تَرْبِيعُ دَارِ أَحَدِهِمَا مُسْنِدَة بِالْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَلَا يَكُونَ اتِّصَالُ بَعْضِ الْحُدُودِ مُؤَثِّرًا.