للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بابني صوريا " فنشهدما كَيْفَ تَجِدُونَ أَمْرَ هَذَيْنِ فِي التَّوْرَاةِ " فَقَالَا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ إِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْلَ الْمَيْلِ فِي الْمُكْحُلَةِ رُجِمَا، قَالَ: " فَمَا مَنَعَكُمَا أَنْ تَرْجُمُوهُمَا " قَالَا ذَهَبَ سُلْطَانُنَا فَكَرِهْنَا الْقَتْلَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالشهود فجاؤوا بِأَرْبَعَةٍ فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْلَ الْمَيْلِ فِي الْمُكْحُلَةِ، " فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِرَجْمِهِمَا ".

فَدَلَّ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ قَالُوا: وَلِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يُنَافِي الْوِلَايَةَ، لِأَنَّ الْكَافِرَ يَلِي عَلَى أَطْفَالِهِ وَعَلَى نِكَاحِ بَنَاتِهِ، فَكَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنَ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّهَا أَخَفُّ شُرُوطًا مِنَ الْوِلَايَةِ.

قَالُوا: وَلِأَنَّ مَنْ كَانَ عَدْلًا مِنْ أَهْلِ دِينِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَالْمُسْلِمِينَ.

قَالُوا: وَلِأَنَّهُ فُسِّقَ عَلَى وَجْهِ التَّأْوِيلِ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ كَأَهْلِ الْبَغْيِ.

وَدَلِيلُنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] فَمَنَعَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمْ غَيْرُ عُدُولٍ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَّا.

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] وَالْكَافِرُ فَاسِقٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَثَبَّتَ فِي خَبَرِهِ، وَالشَّهَادَةُ أَغْلَظُ مِنَ الْخَبَرِ، فَأَوْجَبَتِ التَّوَقُّفَ عَنْ شَهَادَتِهِ.

وَرَوَى عُبَادَةُ بْنُ نُسَيٍّ عَنِ ابْنِ غَنْمٍ قَالَ: سَأَلْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ عَنْ شَهَادَةِ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ دِينٍ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِمْ إِلَّا الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ عُدُولٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَعَلَى غَيْرِهِمْ " فَإِذَا مَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِمْ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يُسَوِّي بَيْنَ أَهْلِ دِينِهِمْ وَغَيْرِهِمْ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ عَلَى أَهْلِ دِينِهِمْ، وَعَلَى غَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ الْمُسْلِمَ أَكْمَلُ مِنَ الْكَافِرِ الْعَدْلِ، لِصِحَّةِ الْعِبَادَاتِ مِنَ الْفَاسِقِ، وَاسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنَ الْكَافِرِ، ولا يستحق ميراث مسلم، ثم كَانَ الْفِسْقُ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، فَكَانَ الْكُفْرُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْهَا.

وَيَتَحَرَّرُ لك مِنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ قِيَاسَانِ.

أَحَدُهُمَا: إِنَّ مَنْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُسْلِمِ كَالْفَاسِقِ.

وَالثَّانِي: إِنَّ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِالْفِسْقِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِالْكُفْرِ، كالشهادة على

<<  <  ج: ص:  >  >>