السِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالذَّكَاةِ لِتَحْرِيمِهَا فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا.
(فَصْلٌ:)
فَأَمَّا الذَّكَاةُ بِالْعَظْمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَرِهْتُهُ وَلَا سِنٍّ أَنْ يَحْرُمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ سِنٍّ، وَلَا ظُفْرٍ، وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ فِي التَّحْرِيمِ الِاسْمَ، وَأَجَازَهُ بِالْعَظْمِ لِخُرُوجِهِ عَنِ الِاسْمِ، وَكَرِهَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَلَمْ يَقِسْهُ عَلَيْهِ لِاسْتِثْنَاءِ أَصْلِهِ، وَفِيهِ عِنْدِي نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَّلَ الْمَنْعَ مِنَ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ عَظْمُ الْإِنْسَانِ، فَصَارَ تَعْلِيلُ السِّنِّ بِالْعَظْمِ دَلِيلًا عَلَى اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُكْمِ مِنْ جِهَةِ النَّصِّ، وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ على النص.
[(مسألة:)]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " قال وَلَوْ وَقَعَ بعيرٌ فِي بئرٍ وَطُعِنَ فَهُوَ كَالصَّيْدِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ، أَوْ دَخَلَتْ فِي غَارٍ، أَوْ حَصَلَتْ تَحْتَ هَدْمٍ، فَلَمْ يُمْكِنْ إِخْرَاجُهَا فِي الْحَيَاةِ لِلذَّكَاةِ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الذَّبْحِ مِنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ ظَاهِرًا أَوْ غَيْرَ ظَاهِرٍ، فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَمْ تَصِحَّ ذَكَاتُهُ إِلَّا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ كَالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَبْحَهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ الذَّبْحِ ظَاهِرًا حَلَّ بِعَقْرِهِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ عُقِرَ مَنْ جَسَدِهِ مِنْ مَقْتَلٍ وَغَيْرِ مَقْتَلٍ كَالصَّيْدِ الْمُمْتَنِعِ.
وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ تَذْكِيَتِهِ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي الْحَيَوَانِ الْأَهْلِيِّ إِذَا امْتَنَعَ أَنَّ ذَكَاتَهُ لَا تَحِلُّ إِلَّا بِذَبْحِهِ.
وَدَلِيلُنَا: مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِمَّا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الْعُشَرَاءِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ بَعِيرًا تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلَّا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ؟ فَقَالَ: " رَأَيْتَكَ لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذه لَأَجْزَأَكَ " وَهَذَا نَصٌّ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ تَرَدَّى بَعِيرٌ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَنْحَرُوهُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ شَاكِلَتِهِ، فَاشْتَرَى مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ عَشْرًا بِدِرْهَمَيْنِ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ، لِأَنَّهُمْ تَبَايَعُوهُ، وَأَكَلُوهُ، وَلَمْ يُنْكِرُوهُ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ عَقْرُهَا بِمَا يُقْطَعُ بِحَدِّهِ أَوْ يُثْقَبُ بِوَقْتِهِ حَلَّ أَكْلُهُ، وَإِنْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ كُلَّهَا، فَعَقَرَهُ فَفِي إِبَاحَتِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ كَالصَّيْدِ الْمُمْتَنِعِ، فَاسْتُبِيحَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِعَقْرِ الْكَلْبِ، وَإِنْ حَلَّ بِعَقْرِ الْحَدِيدِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيدَ يُسْتَبَاحُ بِهِ الذَّكَاةُ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَعَقْرُ الْكَلْبِ لَا يُسْتَبَاحُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَاسْتَوَى عَقْرُ الْحَدِيدِ وَعَقْرُ الْكَلْبِ فِي الصَّيْدِ الْمُمْتَنِعِ، وَافْتَرَقَا فِي الْحَيَوَانِ الْمُنْدَفِنِ.
فَلَوْ قَطَعَ يَدَ الْبَعِيرِ مِنَ الْبِئْرِ فَمَاتَ مِنْ قَطْعِهَا حَلَّ أَكْلُهُ، وَأَكَلَ يَدَهُ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ