للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الزَّكَاةُ نِصْفُ شَاةٍ، لِأَنَّ لَهُ عِشْرِينَ شَاةً مِنْ جُمْلَةِ أَرْبَعِينَ، وَإِنْ قِيلَ إِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي الْعَيْنِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ، مَبْنِيَّيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ هَلْ تَجِبُ فِي الْعَيْنِ وُجُوبًا مُرَاعًى أَوْ وُجُوبَ اسْتِحْقَاقٍ؟ فَإِنْ قِيلَ إِنَّهَا تجب وُجُوبًا مُرَاعًى، فَعَلَى الْمُشْتَرِي الزَّكَاةُ أَيْضًا، وَإِنْ قِيلَ إِنَّهَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ وُجُوبَ اسْتِحْقَاقٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ قُلْتُمْ إن استحقاق المساكين جزء من غير المال يبطل بحكم زَكَاتِهِ وَقَدْ صَارُوا خُلَطَاءَ بِهِ، قُلْنَا لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي اسْتَحَقُّوهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إِيجَابُ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِقَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ، أَلَا ترى لَوِ اجْتَمَعَ بِيَدِ السَّاعِي أَرْبَعُونَ شَاةً سَائِمَةً فَلَمْ يُقَسِّمْهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ حَتَّى حَالَ حَوْلُهَا لَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ، لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَقْوَامٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ، فَهَذَا الْكَلَامُ فِي المبيع إذا كان مشاعاً وأقبضه البائع وقت العقد ما لم يستلمه مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، فَأَمَّا إِنْ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ عَنْ وَقْتِ الْعَقْدِ زَمَانًا كَالشَّهْرِ أَوْ نَحْوِهِ ثُمَّ حَصَلَ الْقَبْضُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَلْ يُحْتَسَبُ بِذَلِكَ الزَّمَانِ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ فِيهِ الْقَبْضُ مِنْ حَوْلِ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُحْتَسَبُ مِنْ حَوْلِهِ لِوُجُودِ مِلْكِهِ، فَعَلَى هذا يكون الجواب لما مَضَى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُحْتَسَبُ بِهِ مِنْ حَوْلِهِ لِعَدَمِ تَصَرُّفِهِ وَأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتِمَّ إِلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ فَعَلَى هَذَا يَسْتَأْنِفُ الْبَائِعُ الْحَوْلَ أَيْضًا مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مُخَالِطًا لِمَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ.

فَصْلٌ

: وَأَمَّا إِنْ كَانَ النِّصْفُ الْمَبِيعُ مُعَيَّنًا مُتَمَيِّزًا، فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُعَلِّمَ عَلَيْهَا، وَيُشِيرَ إِلَيْهَا، وَيَقْبِضَهَا قَبْضَ مِثْلِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْرِدَهَا عَنِ الْجُمْلَةِ، فَهَذَانِ يُزَكِّيَانِ عَلَى مَا مَضَى فِي بَيْعِ الْمُشَاعِ سَوَاءً.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي مَا ابْتَاعَهُ مُفْرَدًا وَيُخْرِجُهُ مِنَ الْمَرَاحِ ثُمَّ يَرُدُّهُ وَيَخْلِطُهُ، فَهَذَانِ يَسْتَأْنِفَانِ الْحَوْلَ مِنْ وَقْتِ الْخُلْطَةِ، وَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ مَا مَضَى لِافْتِرَاقِهِمَا فِي الْمَرَاحِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقْبِضَهَا مُفْرَدَةً مُتَمَيِّزَةً فِي الْمَرَاحِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْهُ ثُمَّ يَخْلِطَهَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ قَدْ بَطَلَ حُكْمُ مَا مَضَى وَيَسْتَأْنِفَانِ الْحَوْلَ لِافْتِرَاقِ الْمَالَيْنِ، كَمَا لَوْ أَخْرَجَهَا مِنَ الْمَرَاحِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أبي هريرة، فإن مَا مَضَى لَا يَبْطُلُ، لِأَنَّ الْمَرَاحَ يَجْمَعُهُمَا وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي زَكَاتِهِ كَالْحُكْمِ فِي زَكَاةِ المشاع والله أعلم بالصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>