بِهِ الْمُسْلِمُونَ فَإِنِ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ وَكَمُلَتْ كُلُّ مَصْلَحَةٍ لَهُمْ فُرِّقَ مَا يَبْقَى مِنْهُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّونَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي مَالِ الْفَيْءِ إِذَا حُصِّلَ أَنْ يَبْدَأَ مِنْهُ بَعْدَ إِخْرَاجِ خُمُسِهِ بِأَرْزَاقِ الْجَيْشِ، لِأَنَّهُ إِنْ قِيلَ إِنَّهُ لِلْجَيْشِ خَاصَّةً فَلَا شَرِيكَ لَهُمْ فِيهِ، وَإِنْ قِيلَ إِنَّهُ لِلْمَصَالِحِ فَمِنْ أَهَمِّهَا أَرْزَاقُ الْجَيْشِ، فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ أَرْزَاقِهِمْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُ مَتَى أُعْطُوا جَمِيعَهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْزَاقِهِمْ وَكَانَ يَفْضُلُ مِنْ بَعْدِ إِعْطَاءِ جَمِيعِهِمْ فَضْلٌ فَمَصْرِفُ الْفَضْلِ مُعْتَبَرٌ بِاخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَصْرِفِ الْفَيْءِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ لِلْجَيْشِ خَاصَّةً وَاسْتَوْفَوْا مِنْهُ قَدْرَ أَرْزَاقِهِمْ رَدَّ الْفَاضِلَ عَلَيْهِ بِقِسْطِ أَرْزَاقِهِمْ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ مِنَ الْفَضْلِ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَإِصْلَاحِ الْحُصُونِ وَالثُّغُورِ مَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ استحقاقهم لَهُ كَالْغَنِيمَةِ.
وَالثَّانِي: يَجُوزُ، لِأَنَّهُ مَعُونَةٌ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ تَكَلَّفُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَيَبْدَأُ بَعْدَ أَرْزَاقِهِمْ بِشِرَاءِ مَا احْتِيجَ إِلَيْهِ مِنَ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَإِصْلَاحِ مَا تَشَعَّثَ مِنَ الْحُصُونِ وَالثُّغُورِ، ثُمَّ رَدِّ مَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ مَصْرُوفٌ فِي الْمَصَالِحِ قَدَّمَ الْجَيْشَ مِنْهُ بِقَدْرِ أَرْزَاقِهِمْ، وَصُرِفَ الْفَضْلُ فِي الْكُرَاعِ والسلاح وَمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ إِصْلَاحِ الْحُصُونِ وَالثُّغُورِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ بَعْدَ الْمَصَالِحِ كُلِّهَا فَضْلٌ فَفِي رَدِّهِ عَلَى الْجَيْشِ، وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُسْتَبْقَى فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ قَدْ يَتَجَدَّدُ مِنْ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ مَا يَكُونُ ذَلِكَ مُعَدًّا لَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الْجَيْشِ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الْمَصَالِحِ، بِقِسْطِ أَرْزَاقِهِمْ وَلَا يُسْتَبْقَى لِمَصْلَحَةٍ لَمْ يُعْلَمْ بِهَا مَعَ ظُهُورِ المصلحة في اتساع الجيش بِهَا، وَلِمَا رَوَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَلَفَ فِي الْمَالِ الْمَحْمُولِ مِنْ فَارِسَ أَنَّهُ لَا يَأْوِي تَحْتَ سَقْفٍ حَتَّى يُقَسِّمَهُ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي أَهْلِ الرَّمَادَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدِ اسْتَبْقَى لَهُمْ فِي بيت المال ما يسد بهم خَلَّتَهُمْ، حَتَّى انْتَظَرَ بِهِمْ مَا يَأْتِي مِنْ مَالٍ بَعْدَ مَالٍ إِلَى أَنِ اسْتَقَلُّوا فَرَحَلُوا، فَعَلَى هَذَا فِي حُكْمِ رَدِّهِ عَلَيْهِمْ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ مَعُونَةً لَهُمْ لَا يُحْتَسَبُ بِهَا عَلَيْهِمْ.
وَالثَّانِي: يُرَدُّ عَلَيْهِمْ سَلَفًا مُعَجَّلًا، يُحْتَسَبُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ رِزْقِ الْعَامِ القابل والله أعلم.
[مسألة:]
قال الشافعي: " وَإِنْ ضَاقَ عَنْ مَبْلَغِ الْعَطَاءِ فَرَّقَهُ بَيْنَهُمْ بَالِغًا مَا بَلَغَ لَمْ يُحْبَسْ عَنْهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا ضَاقَ مَالُ الْفَيْءِ عَنْ أَرْزَاقِ الْجَيْشِ وَجَبَ أَنْ يُقَسِّمَهُ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ عَلَى قَدْرِ أَرْزَاقِهِمْ، كَمَا لَوْ ضَاقَتْ أَمْوَالُ الْمُفْلِسِ عَنْ دُيُونِ غُرَمَائِهِ قُسِّمَ بَيْنَهُمْ على قدر