إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَبْدَأَ بِهَا لِيَسْتَطِيلَ عَلَى مُخَالِفِيهِ، فَيَكُونَ ذَلِكَ فِسْقًا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ اعْتِقَادِ الْخَطَأِ وَأَفْعَالِ السُّفَهَاءِ فَيُفَسَّقُ بِفِسْقِهِ لَا بِمُعْتَقَدِهِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَسْتَدْفِعَ بِهَا مُنَابَذَةَ خُصُومِهِ، فَإِنْ وَجَدَ إِلَى دَفْعِهِمْ بِغَيْرِ الْمُنَابَذَةِ سَبِيلًا، صَارَ بِالْمُنَابَذَةِ سَفِيهًا مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَى دَفْعِهِمْ بِغَيْرِهَا سَبِيلًا، فَلَهُ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ لَا يَسْتَضِرَّ بِاحْتِمَالِهَا وَالصَّبْرِ عَلَيْهَا فَيَكُونَ بِفِعْلِهَا سَفِيهًا تُرَدُّ شُبَهَاتُهُ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَسْتَضِرَّ بِهَا فَيَكُونَ فِي دَفْعِهَا بِالْمُقَابَلَةِ عَلَى عَدَالَتِهِ وَقَبُولِ شهادته، ولأن دفع الضرر عذر مستباح لقوله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ ".
(فَصْلٌ)
: وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا تُفْضِيَ بِهِ الْمُخَالَفَةُ إِلَى الْمُنَابَذَةِ، فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْتَقِدَ بِتَصْدِيقِ مُوافِقِيهِ فِي دَعَاوِيهِمْ، وَيَشْهَدَ لَهُمْ بِهَا عَلَى خُصُومِهِمْ كَالْخَطَّابِيَّةِ.
يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى رَأْيِهِمْ لَمْ يَكْذِبْ فَيُصَدِّقُوهُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ، وَشَهِدُوا لَهُ عَلَى خَصْمِهِ إِنْ أَنْكَرَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَظْهِرُ بِإِحْلَافِهِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْتَظْهِرُ، وَيَشْهَدُ لَهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ. وَهِيَ فِي الْحَالَتَيْنِ شَهَادَةُ زُورٍ تَسْقُطُ بِهَا عَدَالَتُهُ وَتُرَدُّ بِهَا شَهَادَتُهُ، لِأَنَّهُ شَهِدَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِلا مَنْ شهد بالحق وهم يعلمون} .
(فَصْلٌ)
: وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَعْتَقِدَ بِتَصْدِيقِ مُوافِقِيهِ عَلَى مُخَالِفِيهِ، وَيَتَحَفَّظَ فِي الشَّهَادَةِ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، حَتَّى يَعْلَمَهَا مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا، فَهُمْ أَسْلَمُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ طَرِيقًا، وَهُمْ صِنْفَانِ:
صِنْفٌ يَرَوْنَ تَغْلِيظَ الْمَعَاصِي، فَيَجْعَلُهَا بَعْضُهُمْ شِرْكًا وَيَجْعَلُهَا أَهْلُ الْوَعِيدِ خُلُودًا.
وَصِنْفٌ يَرَوْنَ تَخْفِيفَ الْمَعَاصِي فِي إِرْجَائِهَا وَتَفْوِيضِهَا.
وَكِلَا الصِّنْفَيْنِ فِي الْعَدَالَةِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ سَوَاءٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَشَهَادَةُ مَنْ يرى كذبه شركا بالله ومعصية تجب بها النَّارُ، أَوْلَى أَنْ تَطِيبَ النَّفْسُ بِقَبُولِهَا مِنْ شَهَادَةِ مَنْ يُخَفِّفُ الْمَأْثَمَ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهَا أولى من