فَصْلٌ
: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَنْهُمَا؛ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ مُحْرِمًا دون الموطوءة ففيه كافرة وَاحِدَةٌ عَلَى الْوَاطِئِ دُونَ الْمَوْطُوءَةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَوْطُوءَةُ مُحْرِمَةً دُونَ الْوَاطِئِ فَالْوَاجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ مِمَّنْ لَا يَتَحَمَّلُ عَنِ الْمَوْطُوءَةِ شَيْئًا لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا فَالْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْمَوْطُوءَةِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَحَمَّلُ عَنْهَا لِكَوْنِهِ زَوْجًا أَوْ سَيِّدًا فَعَلَيْهِ تَحَمُّلُ ذَلِكَ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْوَطْءِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ كَفَّارَةِ الْوَاطِئِ فِي الصَّوْمِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ وَالْمَوْطُوءَةُ مُحْرِمِينَ فَهَلْ تَجِبُ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ كَفَّارَتَانِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: كَفَّارَتَانِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ.
وَالثَّانِي: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَوْجِيهَ الْقَوْلَيْنِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ، فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ إِنَّ عَلَيْهِمَا كَفَّارَتَيْنِ فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ فَعَلَى الْوَاطِئِ كَفَّارَةٌ، وَعَلَى الْمَوْطُوءَةِ كَفَّارَةٌ، وَلَا يَتَحَمَّلُ الْوَاطِئُ عَنِ الْمَوْطُوءَةِ الْكَفَّارَةَ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا أَجْنَبِيَّيَنِ فَعَلَى الْوَاطِئِ أَنْ يَتَحَمَّلَ الْكَفَّارَتَيْنِ عَنْهُ وَعَنِ الْمَوْطُوءَةِ، فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ إِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً فَعَلَى هَذَا هَلْ وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْوَاطِئِ وَحْدَهُ أَمْ عَلَيْهِمَا ثُمَّ تَحَمُّلُ الْوَاطِئِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَجَبَتْ عَلَى الْوَاطِئِ وَحْدَهُ فَعَلَى هَذَا لَا شَيْءَ عَلَى الموطوءة سواء كانت زوجته أو أَجْنَبِيَّةً. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا؛ فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتِ الْمَوْطُوءَةُ زَوْجَتَهُ فَعَلَى الْوَاطِئِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُ وَعَنْهَا، وَإِنْ كَانَتِ الْمَوْطُوءَةُ أَجْنَبِيَّةً لَمْ يَتَحَمَّلِ الْوَاطِئُ عَنْهَا. وَوَجَبَتْ عَلَى الْوَاطِئِ كَفَّارَةٌ كَامِلَةٌ وَعَلَى الْمَوْطُوءَةِ، كَفَّارَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا يَجُوزُ تَبْعِيضُهَا، وَالْوَاطِئُ مِمَّنْ لَا يَتَحَمَّلُ عَنْهَا فَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ كَامِلَةٌ.
: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا: فَهُوَ أَنَّهُمَا إِذَا أَحْرَمَا بِالْقَضَاءِ وَبَلَغَا الْمَوْضِعَ الَّذِي وَطِئَهَا فِيهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَالْإِمْلَاءِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ أبو حنيفة: لَا أَعْرِفُ لِلِافْتِرَاقِ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا فِي الصَّوْمِ ثُمَّ دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُمْنَعَا مِنَ الِاجْتِمَاعِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَطِئَهَا فِيهِ، كَذَلِكَ فِي قَضَاءِ الْحَجِّ.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهُ قَوْلُ ثَلَاثَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَيْسَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي الصحابة مخالفاً فكان إجماعاً؛ ولأنه بفراقهما يأمن عليهما الشَّهْوَةَ فِي وَطْئِهَا، وَلِيَكُونَ زَجْرًا لَهُ وَتَنَدُّمًا فِيمَا فَعَلَهُ، فَأَمَّا الصَّوْمُ فَمُخَالِفٌ لِلْحَجِّ، لِأَنَّ قَضَاءَ الْحَجِّ كَأَصْلِهِ فِي إِفْسَادِهِ بِالْوَطْءِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ، وَقَضَاءُ الصَّوْمِ أَخَفُّ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي إِفْسَادِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute