للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَأَمَّا الْحَرَمُ فَقَدْ كَانَ الْقِتَالُ فِيهِ حَرَامًا عَلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} ثُمَّ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ قِتَالَ مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ فَقَالَ: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ} [البقرة: ١٩١] ثُمَّ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ قِتَالَ مَنْ قَاتَلَ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٣] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] . وَقَالَ: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} [البقرة: ١٩١] . فَصَارَ لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْحَرَامِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ.

الْأُولَى: تَحْرِيمُهُ فِيهِ لِمَنْ قَاتَلَ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ.

والثانية: إِبَاحَتُهُ لِمَنْ قَاتَلَ دُونَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ.

وَالثَّالِثَةُ: إِبَاحَتُهُ لِمَنْ قَاتَلَ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هَذِهِ الْحَالُ الثَّالِثَةُ غَيْرُ مُبَاحَةٍ، وَلَا يَسْتَبِيحُ فِيهِ إِلَّا قِتَالَ مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قاتل أهل مكة عام الفتح مبتدءا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَاتَلَ فِيهِ أَهْلَ الْمَعَاصِي فَكَانَ تَطْهِيرُ الْحَرَمِ مِنْهُمْ أَوْلَى.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا صَارَ فَرْضُ الْجِهَادِ عَامًّا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ابْتِدَاءِ فَرْضِهِ، هَلْ كَانَ عَلَى الْأَعْيَانِ ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الْكِفَايَةِ؟ أَوْ لَمْ يَزَلْ عَلَى الْكِفَايَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنَّ ابْتِدَاءَ فَرْضِهِ كَانَ عَلَى الْأَعْيَانِ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى الْكِفَايَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: ٤١] . وَفِيهِ سَبْعَةُ تَأْوِيلَاتٍ:

أَحَدُهَا: شَبَابًا وَشُيُوخًا، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ.

وَالثَّانِي: أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي صَالِحٍ.

وَالثَّالِثُ: أَصِحَّاءَ وَمَرْضَى، وَهَذَا قَوْلُ جُوَيْبِرٍ.

وَالرَّابِعُ: رُكْبَانًا وَمُشَاةً، وَهَذَا قَوْلُ جُوَيْبِرٍ.

وَالْخَامِسُ: نَشَاطًا وَكَسَالَى، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ

وَالسَّادِسُ: على خفة النفير وثقله، وهذا ابْنِ جَرِيرٍ وَالسَّابِعُ: خِفَافًا إِلَى الطَّاعَةِ، وَثِقَالًا عَنِ الْمُخَالَفَةِ، وَيَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا ثَامِنًا: خِفَافًا إِلَى الْمُبَارَزَةِ وَثِقَالًا فِي الْمُصَابَرَةِ: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}

<<  <  ج: ص:  >  >>