مُعْتَقِهِ، وَإِنْ رَقَّ بِالْعَجْزِ صَارَ الْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عِتْقِ الْمُكَاتَبِ، فَفِي مِيرَاثِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ مَوْقُوفًا، لِأَنَّ وَلَاءَهُ مَوْقُوفٌ كَمَا يُوقَفُ مِيرَاثُ الِابْنِ إِذَا مَاتَ، وَكَانَ نَسَبُهُ مَوْقُوفًا عَلَى الْبَيَانِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مِيرَاثَهُ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ، وَلَا يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَاءُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، لِأَنَّ السَّيِّدَ وَارِثٌ فِي الْحَالِ، وَالْمُكَاتَبَ غَيْرُ وَارِثٍ فِيهَا، فَلَمْ يَنْتَظِرْ بِهِ الِانْتِقَالَ إِلَى حَالِ الْمِيرَاثِ كَالْحُرِّ إِذَا خَلَّفَ أَبًا مَمْلُوكًا وَجَدًّا حُرًّا كَانَ مِيرَاثُهُ لِجَدِّهِ، وَلَا يُوقَفُ عَلَى عِتْقِ أَبِيهِ.
فَصْلٌ
فَأَمَّا مُكَاتَبُ الْمُكَاتَبِ إِذَا قِيلَ بِصِحَّةِ كِتَابَتِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ مَالَ كِتَابَتِهِ إِلَى الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ مَالِكُهُ الْمُتَوَلِّي عَقْدَ كِتَابَتِهِ، وَلَا يَخْلُو حَالُهُمَا فِي الْأَدَاءِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ، وَيَعُودَا مَرْقُوقَيْنِ، فَيَكُونَا مَعًا مِلْكًا لِلسَّيِّدِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ، وَيُعْتَقَ، وَيَعْجِزَ الْمُكَاتَبُ الثَّانِي، وَيَرِقَّ، فَيَكُونَ عَبْدًا لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ دُونَ السَّيِّدِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَعْجِزَ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ وَيَرِقَّ وَيُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ الثَّانِي وَيُعْتَقَ، فَيَصِيرَ الْأَوَّلُ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ، وَيَكُونُ وَلَاءُ الْمُكَاتَبِ الثَّانِي لِلسَّيِّدِ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يُؤَدِّيَا جَمِيعًا وَيُعْتَقَا، فَيَكُونَ وَلَاءُ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ لِلسَّيِّدِ، وَوَلَاءُ الْمُكَاتَبِ الثَّانِي مُعْتَبَرًا بِأَسْبَقِهِمَا عِتْقًا، فَإِنْ سَبَقَ عِتْقُ الْمَكَاتَبِ الْأَوَّلِ كَانَ وَلَاءُ الثَّانِي لَهُ، وَإِنْ سَبَقَ عِتْقُ الْمَكَاتَبِ الثَّانِي كَانَ فِي وَلَائِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لِلسَّيِّدِ.
وَالثَّانِي: لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ. والله أعلم.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَبَيْعُ نُجُومِهِ مَفْسُوخٌ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: بَيْعُ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ حَلَّتْ أَوْ كَانَتْ إِلَى أَجَلِهَا، وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، فَجَعَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلًا لَهُ، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ حِكَايَةً عَنْ مَالِكٍ، احْتِجَاجًا بِأَنَّ بَيْعَ بَرِيرَةَ كَانَ مَعْقُودًا عَلَى نُجُومِهَا، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ الْبَيْعِ عَلَى مِلْكٍ فَصَحَّ كَمَا لَوْ عَقَدَهُ عَلَى عَبْدِهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ بَيْعِهِ نَهْيُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ الْغَرَرِ، وَهَذَا غَرَرٌ، لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْعَجْزِ، وَلِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَلِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ لَازِمٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ