تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنَّمَا حَمَلَ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى هَذَا الْإِضْمَارِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ فِي عِلَّةِ الْعَوْدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ:)
قال الشافعي رحمه الله تعالى: (وَلَوْ تَظَاهَرَ وَآلَى قِيلَ إِنْ وَطِئْتَ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ خَرَجْتَ مِنَ الْإِيلَاءِ وَأَثِمْتَ وَإِنِ انْقَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وُقِفْتَ فَإِنْ قُلْتَ أَنَا أُعْتِقُ أَوْ أُطْعِمُ لَمْ نُمْهِلْكَ أَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُكَ الْيَوْمَ وَمَا أَشْبَهَهُ وَإِنْ قُلْتَ أَصُومُ قِيلَ إِنَّمَا أُمِرْتَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ بِأَنْ تَفِيءَ أَوْ تُطَلِّقَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ لَكَ سَنَةٌ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا جَمَعَ بَيْنَ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ ثَبَتَ حُكْمُهُمَا فَإِنْ قَدَّمَ الظِّهَارَ وَعَادَ فِيهِ ثُمَّ آلَى صَارَ بَعْدَ الظِّهَارِ مُولِيًا وَلَا يَمْنَعُ تَحْرِيمُ الظِّهَارِ مِنْ ثُبُوتِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّهَا بَعْدَ الظِّهَارِ زَوْجَتُهُ وَإِنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَتَكُونُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ مِنْ وَقْتِ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِالظِّهَارِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا سَبَبٌ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَتَحْرِيمِهَا بِإِحْرَامِهِ، وَإِنْ قَدَّمَ الْإِيلَاءَ ثُمَّ عَقَبَهُ الظِّهَارَ ثَبَتَ ظِهَارُهُ وَصَارَ عَائِدًا فِيهِ وَلَا يَمْنَعُ عَقْدُ الْيَمِينِ فِي الْإِيلَاءِ مِنْ ثُبُوتِ الظِّهَارِ بَعْدُ لِأَنَّهَا بعد الإيلاء زوجته كهي قبل وَيَكُونُ زَمَانُ الظِّهَارِ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ كَفَّرَ عَنْ ظِهَارِهِ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ بِعِتْقٍ أَوْ إِطْعَامٍ أَوْ صَوْمِ شَهْرَيْنِ أَجْزَأَهُ وَسَقَطَ بِالتَّكْفِيرِ حُكْمُ الظِّهَارِ وَصَارَ بَعْدَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ كَمُولٍ غَيْرِ مُظَاهِرٍ، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنِ الظِّهَارِ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ فَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ مُتَنَافِيَانِ:
أَحَدُهُمَا: مُوجِبٌ لِلْوَطْءِ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ وَهُوَ الْإِيلَاءُ.
وَالثَّانِي: مَانِعٌ مِنَ الْوَطْءِ حَتَّى يُكَفِّرَ وَهُوَ الظِّهَارُ فَإِنْ سَأَلَ أَنْ يُمْهَلَ فِي الْإِيلَاءِ حَتَّى يُكَفِّرَ عَنِ الظِّهَارِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ أَوِ الْإِطْعَامِ أُمْهِلَ مُدَّةً يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ كَالْيَوْمِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ زَمَانَهُ قَرِيبٌ يَجُوزُ الْإِنْظَارُ لِمِثْلِهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُكَفِّرُ بِالصِّيَامِ لَمْ يُمْهَلْ لأنه صَوْمَ شَهْرَيْنِ إِذَا ضُمَّا إِلَى أَرْبَعَةِ التَّرَبُّصِ صَارَتِ الْمُدَّةُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَمُنِعَ مِنْهُ لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ وَطُولِبَ بِحُكْمِ الْإِيلَاءِ، فَإِنْ طَلَّقَ فِيهِ خَرَجَ بِالطَّلَاقِ عَنْ حَقِّ الْإِيلَاءِ وَكَانَ عَلَى ظِهَارِهِ وَإِنْ أَرَادَ الْوَطْءَ فِيهِ أَفْتَيْنَاهُ بِأَنَّ الظِّهَارَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ الْوَطْءَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنْهُ. وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْهُ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يجب عليها منع نفسها منه وعليه تَمْكِينُهُ مِنْ نَفْسِهَا إِذَا دَعَاهَا لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ يَخْتَصُّ بِهِ دُونَهَا فَعَلَى هَذَا إِنْ مَكَّنَتْهُ سَقَطَ حَقُّهَا فَكَانَ الْإِثْمُ عَلَيْهِ دُونَهَا، وَإِنْ منعته سقط مُطَالَبَتُهَا كَمَا لَوْ مَنَعَتْهُ مِنْ غَيْرِ ظِهَارٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ عَلَيْهَا مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ إِذَا دَعَاهَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَتِهِ فَهُوَ عَائِدٌ عَلَيْهَا وَيَخْتَصُّ بِهَا كَالرَّجْعَةِ فَصَارَ التَّحْرِيمُ مُتَوَجِّهًا إِلَيْهَا فَعَلَى هَذَا لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنَ الْمُطَالَبَةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ جَارِيَةٌ فِي فَسْخٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute