للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: فِي الْكِبَرِ بِبَيِّنَتِهَا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ بِقَذْفِ الصِّغَرِ التَّعْزِيرُ، وَبِقَذْفِ الْكِبَرِ الْحَدُّ. وَلَهُ حَالَتَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَلْتَعِنَ فَيُسْقِطُ بِلِعَانِهِ الْحَدَّ، وَالتَّعْزِيرُ إِنْ كَانَ تَعْزِيرَ قَذْفٍ وَلَا يَسْقُطُ بِلِعَانِهِ إِنْ كَانَ تَعْزِيرَ أَذًى وَيُسْتَوْفَى مِنْهُ بَعْدَ اللِّعَانِ.

وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَلْتَعِنَ فَيُقَامُ حَدُّ الْقَذْفِ فِي الْكِبَرِ، وَأَمَّا التَّعْزِيرُ لِلْقَذْفِ فِي الصِّغَرِ فَإِنْ كَانَ تَعْزِيرَ أَذًى لِكَوْنِهَا فِي صِغَرٍ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا فِيهِ لَمْ يَدْخُلْ هَذَا التَّعْزِيرُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ لِاخْتِلَافِ مُسْتَحِقِّهَا؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْحَدَّ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَإِنْ كَانَ تَعْزِيرَ قَذْفٍ لِكَوْنِهَا فِي صِغَرٍ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فِيهِ فَهُمَا جَمِيعًا مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَفِي دُخُولِ التَّعْزِيرِ فِي الْحَدِّ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَدْخُلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ وَمُسْتَحَقِّهِ كَدُخُولِ الْحَدَثِ فِي الْجَنَابَةِ وَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى الْحَدِّ وَحْدَهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَدْخُلُ فِيهِ، لِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ لَا تَتَدَاخَلُ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ ثُمَّ الْحَدُّ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ مُضَادَّةُ الشَّهَادَتَيْنِ، فَهُوَ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي التَّارِيخِ وَيَخْتَلِفَا فِي السِّنِّ، فَتَشْهَدُ بَيِّنَتُهَا أَنَّهُ قَذَفَهَا مُسْتَهَلَّ الْمُحَرَّمِ وَهِيَ كَبِيرَةٌ وَتَشْهَدُ بَيِّنَتُهُ أَنَّهُ قَذَفَهَا مُسْتَهَلَّ الْمُحَرَّمِ وَهِيَ صَغِيرَةٌ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً كَبِيرَةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَصَارَ فِي الشَّهَادَتَيْنِ تَكَاذُبٌ تَعَارَضَتَا فِيهِ، وَفِي تَعَارُضِ الشَّهَادَتَيْنِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَسْقُطَانِ، فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ قَذَفَهَا فِي الصِّغَرِ وَلَهُ أَنْ يَلْتَعِنَ مِنْهَا إِنْ كَانَ تَعْزِيرَ قَذْفٍ، وَلَا يَلْتَعِنُ إِنْ كَانَ تَعْزِيرَ أَذًى وَلَهُ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ: لَا حَدَّ، وَلَا لِعَانَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فِي تَعَارُضِ الشَّهَادَتَيْنِ أَنَّهُمَا تُسْتَعْمَلَانِ، وَفِي اسْتِعْمَالِهِمَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

أحدها: يوقفان حتى يقع البيان، والوقف ها هنا لَا وَجْهَ لَهُ لِفَوَاتِ الْبَيَانِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يعمل بهما في قسمة الدعوى، والقسمة ها هنا لَا تَعُمُّ، لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَتَبَعَّضُ.

وَالْقَوْلُ الثالث: يقرع بينهما، والقرعة مرجحة ها هنا، فَأَيُّ الْبَيِّنَتَيْنِ قُرِعَتْ حُكِمَ بِهَا، وَهَلْ يَحْلِفُ مَنْ قُرِعَتْ بَيِّنَتُهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْقُرْعَةِ، هَلْ دَخَلَتْ مُرَجِّحَةً لِلدَّعْوَى أَوِ الْبَيِّنَةِ؟ . فَإِنْ قِيلَ إِنَّهَا مُرَجِّحَةٌ لِلدَّعْوَى حَلَفَ صَاحِبُهَا وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهَا مُرَجِّحَةٌ لِلْبَيِّنَةِ لَمْ يَحْلِفْ وَاللَّهُ تَعَالَى أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَذَفَهُمَا وَقَذَفَ امْرَأَتَهُ لَمْ تَجُزْ

<<  <  ج: ص:  >  >>