للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الزَّانِي دُونَ الْمُمْسِكِ. وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمُمْسِكِ فِي الْقَتْلِ بِمَثَابَتِهِ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى الْقَاتِلِ دُونَ الْمُمْسِكِ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي الْقَوَدِ جَازَ أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي الْحَدِّ.

وَلِأَنَّ الْإِمْسَاكَ غَيْرُ مَضْمُونٍ لَوِ انْفَرَدَ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يُضْمَنَ إِذَا تَعَقَّبَهُ الْقَتْلُ.

وَلِأَنَّ مَا لَا يضمن خطاؤه لم يضمن عمده كالضرب بما لا يقبل.

فَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ قَالَ {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: ٣٣] وَالسَّرَفُ أَنْ يَتَجَاوَزَ الْقَاتِلُ إِلَى مَنْ لَيْسَ بِقَاتِلٍ.

وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ مَحْمُولٌ عَلَى اشْتِرَاكِهِمْ فِي قَتْلِهِ، لَأَنَّ الْمُعَاوَنَةَ هِيَ التَّسَاوِي فِي الْفِعْلِ وَبِهِ يُجَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الْقَتْلِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْمُشْتَرِكِينَ فِي الْقَتْلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُضْمَنُ إِذَا انْفَرَدَ، فَضُمِنَ إِذَا شَارَكَ وَالْمُمْسِكُ لَا يُضْمَنُ إِذَا انْفَرَدَ فَلَمْ يُضْمَنْ إِذَا تَعَقَّبَهُ قَاتِلٌ.

وَأَمَّا إِمْسَاكُ الْعَبْدِ فَإِنَّمَا يُضْمَنُ بِهِ الْعَبْدُ، لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْيَدِ إِذَا انْفَرَدَتْ، وَالْمَقْتُولُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْيَدِ، وَإِنَّمَا يُضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ، وَلَوْ كَانَ الْإِمْسَاكُ جَارِيًا مَجْرَى مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ لَوَجَبَ إِذَا أَمْسَكَ الْمَجُوسِيُّ شَاةً فَذَبَحَهَا مُسْلِمٌ أَنْ لَا تُؤْكَلَ، كَمَا لَوِ اشْتَرَكَ فِي ذَبْحِهَا مَجُوسِيٌّ وَمُسْلِمٌ، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَوَازِ أَكْلِهَا دَلِيلٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُمْسِكِ وَالْمُشَارِكِ.

وَمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنَ الشَّاهِدَيْنِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُمَا أَلْجَآ الْحَاكِمَ إِلَى الْقَتْلِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ المُمْسِكِ إِلْجَاءٌ فَافْتَرَقَا.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ ضَرَبَهُ بِمَا الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَقْطَعُ عُضْوًا أَوْ يُوضِحُ رَأْسًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَوَدَ يَجِبُ فِي الْقَتْلِ بالمحدود وَالْمُثَقَّلِ، كَذَلِكَ الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحِ وَالْأَطْرَافِ يَجِبُ فِي الْمُحَدَّدِ وَالْمُثَقَّلِ، فَلَوْ رَمَى رَأْسَهُ بِحَجَرٍ فَأَوْضَحَهُ، وَمِثْلُهُ يُوضِحُ وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يُوضِحُ فِي الْغَالِبِ وَرُبَّمَا أَوْضَحَ فَهُوَ عَمْدٌ شِبْهُ الْخَطَأِ، فَفِيهِ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ دُونَ الْقَوَدِ، كَذَا لَوْ ضَرَبَ يَدَهُ بِخَشَبَةٍ فَأَبَانَهَا، كَانَ مِثْلُهَا يَقْطَعُ فِي الْغَالِبِ وَجَبَ فِيهَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهَا لَا يَقْطَعُ فِي الْغَالِبِ وَجَبَ فِيهَا الدِّيَةُ، كَمَا قُلْنَا فِي تَلَفِ النُّفُوسِ.

فَلَوْ ضَرَبَ يَدَهُ فَشُلَّتْ فَلَا قِصَاصَ فِيهَا، وَعَلَيْهِ دِيَتُهَا لِأَنَّ الشَّلَلَ لَا يُمْكِنُ فِي مِثْلِهِ الْقِصَاصُ، فَلَوْ شَجَّهُ بِحَجَرٍ فَأَوْضَحَ رَأْسَهُ، وَسَرَى إِلَى نَفْسِهِ فمات.

<<  <  ج: ص:  >  >>