فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا بِالتَّمْكِينِ يَوْمًا بِيَوْمٍ، فَضَمَانُهَا بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ وَقَدْ يَجِبُ بِالتَّمْكِينِ، وَقَدْ لَا يَجِبُ بَعْدَهُ.
وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّهَا وَقَدْ وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ جُمْلَةً وَتَسْتَحِقُّ قَبْضَهَا بِالتَّمْكِينِ يَوْمًا بِيَوْمٍ، صَحَّ ضَمَانُهَا بِشَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ضَمَانُهُ لِلْقُوتِ الَّذِي هُوَ الْحَبُّ مِنَ الْحِنْطَةِ أَوِ الشَّعِيرِ بِحَسْبِ قُوتِ بَلَدِهِمْ دُونَ الْأُدْمِ وَالْكُسْوَةِ، لِأَنَّهُمَا لَا يُضْبَطَانِ بِصِفَةٍ وَلَا يُتَقَدَّرَانِ بِقِيمَةٍ فَإِنْ قَدَّرَهُمَا الْحَاكِمُ بِقِيمَةٍ جَعَلَهُمَا دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً لَمْ يَصِحَّ ضَمَانُهَا أَيْضًا، لِأَنَّهُ وَإِنْ قَوَّمَهَا فَهِيَ مُقَوَّمَةٌ لِوَقْتِهَا دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَدْ تَزِيدُ الْقِيمَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَكُونُ لِلزَّوْجَةِ الْمُطَالَبَةُ بِفَضْلِ الْقِيمَةِ، وَقَدْ يَنْقُصُ فَيَكُونُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْقُصَهَا مِنَ الْقِيمَةِ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ضَمَانُهُ لِنَفَقَةِ الْمُعْسِرِ الَّتِي لَا تَسْقُطُ عَنِ الزَّوْجِ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِ وَهِيَ مُدٌّ وَاحِدٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَإِنْ ضَمِنَ لَهَا نَفَقَةَ مُوسِرٍ وَهِيَ مُدَّانِ، أَوْ نَفَقَةَ مُتَوَسِّطٍ وَهِيَ مُدٌّ وَنِصْفٌ فَالزِّيَادَةُ عَلَى نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ قَدْ تَجِبُ إِنْ أَيْسَرَ، وَقَدْ لَا تَجِبُ إِنْ أَعْسَرَ، فَصَارَ ضَمَانُهَا ضَمَانَ مَا لَمْ يَجِبْ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الضَّمَانُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُدِّ فِي نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ بَاطِلًا، وَهَلْ يَبْطُلُ فِي الْمُدِّ الَّذِي هُوَ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ تَفْرِيقِ الصِّفَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ الشافعي: " وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ ضَمِنْتُ لَكِ مَا دَايَنْتِ بِهِ فُلَانًا أَوْ مَا وَجَبَ لَكِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا لَمْ يَكُنْ وَمَا يَجْهَلُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مِنَ الضَّمَانِ أَوْرَدَهَا الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا، لِأَنَّهُ أَصْلٌ يُبْنَى عَلَيْهِ ضَمَانُ النَّفَقَةِ.
وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: ضَمَانُ مَا وَجَبَ.
وَالثَّانِي: ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ.
فَأَمَّا ضَمَانُ مَا وَجَبَ فَضَرْبَانِ: مَعْلُومٌ وَمَجْهُولٌ.
فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا صَحَّ. وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا بَطَلَ.
وَأَمَّا ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ كَقَوْلِهِ: مَنْ عَامَلَ فُلَانًا وَدَايَنَهُ فَعَلَيَّ ضَمَانُ دَيْنِهِ.
فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ ضَمَانٌ بَاطِلٌ، سَوَاءٌ عَيَّنَ الْمُدَايِنَ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، وَسَوَاءٌ ذَكَرَ لِلدَّيْنِ قَدْرًا أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ، لِأَنَّ الضَّمَانَ لَازِمٌ إِنْ صَحَّ، وَمَا لَمْ يَجِبْ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ فَلَمْ يَصِحَّ ضَمَانُهُ.