وَهَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عَسَلًا وَلَا دبساً، كان كالسمن، لأنها يَجْمُدَانِ تَارَةً، وَيَذُوبَانِ أُخْرَى، وَيُؤْكَلَانِ مُنْفَرِدَيْنِ وَمُخْتَلِطَيْنِ، فَيَكُونُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْجَوَابِ.
فَأَمَّا إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خَلًّا، فَالْخَلُّ ذَائِبٌ، وقل أن يجمد.
وَإِنْ أَكَلَ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ خُبْزٍ أَوْ فِي سكباجٍ فَإِنْ صَارَ مُسْتَهْلِكًا فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِيهِ حَنِثَ.
وَكَذَلِكَ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا، فَأَكْلَهُ بِغَيْرِهِ أَوْ طَبَخَهُ مَعَ غَيْرِهِ، فَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا فَخَلَطَهُ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مَا خَلَطَهُ بِهِ جَامِدًا لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ آكِلًا، وَلَا يَكُونُ شَارِبًا، وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَائِعٍ، فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ أَغْلَبَ، لِظُهُورِ لَوْنِهِ وَطَعْمِهِ حنث بشربه، وإن كان مغلوباً لخفاء ولونه وطعمه لم يحنث.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ التَّمْرَةَ فَوَقَعَتْ فِي تمرٍ فَإِنْ أَكَلَهُ إِلَّا تَمْرَةً أَوْ هَلَكَتْ مِنْهُ تَمْرَةٌ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ أَكَلَهَا وَالْوَرَعُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِذَا حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ هَذِهِ التَّمْرَةَ، فَأَكَلَهَا إِلَّا نَوَاهَا وَقَمَعَهَا حَنِثَ، لِأَنَّهُ أَكَلَ مَأْكُولَهَا، وَأَلْقَى غَيْرَ مَأْكُولِهَا، فَانْصَرَفَتِ الْيَمِينُ فِي الْأَكْلِ إِلَى الْمَأْكُولِ مِنْهَا، وَلَمْ تَنْصَرِفْ إِلَى غَيْرِ الْمَأْكُولِ. وَلَوْ أَكَلَهَا إِلَّا يَسِيرًا مِنْهَا كَنُقْرَةِ طَائِرٍ لَمْ يَحْنَثْ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَحْنَثُ.
وَهَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ، فَأَكَلَهُ إِلَّا لُقْمَةً مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَحْنَثُ إِذَا أَكَلَ أَكْثَرَهُ، اعْتِبَارًا بِالْأَغْلَبِ.
وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ إِذَا لَمْ يَكْمُلِ ارْتَفَعَ بِهِ الْحِنْثُ فِي الْحَالَيْنِ.
فَأَمَّا إِذَا وَقَعَتِ التَّمْرَةُ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا أَنْ لَا يَأْكُلَهَا فِي تَمْرٍ اخْتَلَطَتْ بِهِ، فَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَ التَّمْرِ حَنِثَ، لِإِحَاطَةِ عِلْمِنَا بِأَنَّهُ قَدْ أَكَلَهَا مَعَ غَيْرِهَا.
وَقَدْ وَافَقَ عَلَى هَذَا أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ، وَإِنْ خَالَفَ فِي السَّمْنِ، وَهُوَ حُجَّةٌ تُعِيدُهُ إِلَى الْوِفَاقِ.
وَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَ التَّمْرِ إِلَّا تَمْرَةً، أَوْ هَلَكَ مِنْ جَمِيعِ التَّمْرِ تَمْرَةٌ، لَمْ تَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ قد أكل تلك التمرة، فيحنث.