للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُعْلَمَ جُنُونُهُ طَبَقًا مُسْتَدِيمًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ، وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِيهِ أَصْلًا فَشَابَهَ دَعْوَى الصِّغَرِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُعْلَمَ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُجَنُّ فِي زَمَانٍ، وَيُفِيقُ فِي زَمَانٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْقَاتِلِ مع يمينه لاحتماله وأن جنبه رحمى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ السَّلَامَةَ أَغْلَبُ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا السَّكْرَانُ مِنْ شُرْبِ الْمُسْكِرِ مِنْ خَمْرٍ أَوْ نَبِيذٍ، فَالْقَوَدُ عَلَيْهِ إِذَا قَتَلَ وَاجِبٌ لِجَرَيَانِ الْقَلَمِ عَلَيْهِ إِلَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي خَرَّجَهُ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ ظِهَارَ السَّكْرَانِ لَا يَصِحُّ، وَطَلَاقَهُ لَا يَقَعُ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِنَّ صَحَّ تَخْرِيجُهُ قَوَدٌ وَتَخْرِيجُهُ مُسْتَنْكَرٌ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ لَمْ يَرْوِهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ سواء في قدم وَلَا جَدِيدٍ، فَيُقَالُ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا.

فَأَمَّا النَّائِمُ إِذَا انْقَلَبَ عَلَى صَغِيرٍ أَوْ مَرِيضٍ فَقَتَلَهُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ مُحَقَّقَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ، لِأَنَّهُ خَطَأٌ مَحْضٌ، وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ شَرِبَ دَوَاءً فَزَالَ بِهِ عَقْلُهُ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّدَاوِي فَهُوَ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إِنْ أَفَاقَ، وَكَالْمَجْنُونِ إِنِ اسْتَمَرَّ بِهِ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ زَوَالَ الْعَقْلِ وَاسْتِدَامَةَ الْجُنُونِ فَفِي وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ الْقَوَدُ كَالسَّكْرَانِ لِمَعْصِيَتِهِمَا بِمَا أَزَالَ عَقْلَهُمَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ حُكْمَ السَّكْرَانِ أَغْلَظُ لِمَا اقْتَرَنَ بِسُكْرِهِ مِنَ الطَّرَبِ الدَّاعِي إِلَيْهِ فِي حَالِ مَنْ شَرِبَ مَا أَزَالَ الْعَقْلَ، وَأَحْدَثَ الْجُنُونَ لِفَقْدِ هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ، وَأَنَّهُ نَادِرٌ مِنْ فَاعِلِيهِ.

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ ذَكَرَ خُنْثَى مُشْكِلٍ وَأُنْثَيَيْهِ وَشُفْرَيْهِ عَمْدًا قِيلَ إِنْ شِئْتَ وَقَفْنَاكَ فَإِنْ بِنْتَ ذَكَرًا أَقَدْنَاكَ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلْنَا لك حكومة في الشفرين وإن بنت أنثى فلا قود لك وجعلنا لك دية امرأة في الشفرين وحكومة في الذكر والأنثيين (قال المزني) رحمه الله بقية هذه المسألة في معناه أن يقال له وإن لم تشأ أن تقف حتى يتبين أمرك وعفوت عن القصاص وبرأت فلك دية شفري امرأة وحكومة في الذكر والأنثيين لأنه الأقل وإن قلت لا أعفو ولا أقف قيل لا يجوز أن يقص مما لا يدري أي القصاص لك فلا بد لك من الأمرين على ما وصفنا ".

قال الماوردي: لهذه المسألة خمس مقدمات:

<<  <  ج: ص:  >  >>