للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهَا تُصَفِّقُ كَيْفَ شَاءَتْ إِمَّا بِبَاطِنِ الْكَفِّ عَلَى ظَاهِرِ الْأُخْرَى، أَوْ بِبَاطِنِ الْكَفِّ عَلَى بَاطِنِ الْأُخْرَى، أَوْ بِظَاهِرِ الْكَفِّ عَلَى ظَاهِرِ الْأُخْرَى، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُ

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ إِنَّهَا تُصَفِّقُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ عَلَى ظَاهِرِ الْأُخْرَى، أَوْ بِظَاهِرِ الكف على باطن الأخرى، وإما بباطن أحديهما عَلَى بَاطِنِ الْأُخْرَى فَلَا يَجُوزُ لِمُضَاهَاتِهِ تَصْفِيقُ اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ، فَإِنْ خَالَفَتِ الْمَرْأَةُ فَسَبَّحَتْ، أَوْ خَالَفَ الرَّجُلُ فَصَفَّقَ فَصَلَاتُهُمَا مُجْزِئَةٌ، وَلَا سُجُودَ لِلسَّهْوِ

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَسْبِيحُ الْمَرْأَةِ جَائِزٌ وَتَصْفِيقُ الرَّجُلِ عَامِدًا يُبْطِلُ صَلَاتَهُ، وَسَاهِيًا لَا يُبْطِلُهَا وَلَكِنْ إِنْ تَطَاوَلَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ كَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يُبْطِلْ صَلَاةَ مَنْ صَفَّقَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا أَمَرَهُمْ بِالْإِعَادَةِ وَلَا سُجُودِ السَّهْوِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالسُّنَّةِ وَنَدَبَهُمْ إِلَى الْأَفْضَلِ

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا تَسْبِيحُ الرَّجُلِ فِي صَلَاتِهِ تَنْبِيهًا لِإِمَامِهِ وَإِعْلَامًا لَهُ بِسَهْوِهِ فَجَائِزٌ، وَالْعَمَلُ بِهِ سُنَّةٌ وَأَمَّا أَنْ يُسَبِّحَ قَاصِدًا لِرَدِّ جَوَابٍ؛ كَرَجُلٍ اسْتَأْذَنَهُ فِي الدُّخُولِ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ قَاصِدًا بِهِ الْإِذْنَ، أَوْ سَلَّمَ عليه فقال: سبحان الله قاصد الرد عَلَيْهِ، أَوْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ، أَوْ رَأْسِهِ، أَوْ رَأَى ضَرِيرًا يَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ تَنْبِيهًا لَهُ لِيَرْجِعَ عَنْ جِهَتِهِ، فَصَلَاتُهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ جَائِزَةٌ، وَلَا سُجُودَ لِلسَّهْوِ عَلَيْهِ

وَقَالَ أبو حنيفة: مَتَى قَصَدَ فِي صَلَاتِهِ خِطَابَ آدَمِيٍّ بِإِشَارَةٍ، أَوْ تَسْبِيحٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إِلَّا أَنْ يُسَبِّحَ لِسَهْوِ إِمَامِهِ تَعَلُّقًا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: " قَدِمْتُ مِنَ الْحَبَشَةِ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ إِنَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ وَقَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ "، فَلَوْ جَازَ رَدُّ السَّلَامِ بِتَسْبِيحٍ، أَوْ إِشَارَةٍ لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الْخَيْرِ وَطَلَبِ الْفَضْلِ، قَالَ: وَلِأَنَّهُ نَطَقَ فِي صَلَاتِهِ بِقُرْآنٍ وَقَصَدَ بِهِ إِفْهَامَ آدَمِيٍّ [عَلَى سَبِيلِ الْجَوَابِ] بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، كَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ اسْمُهُ يَحْيَى " يَا يَحْيَى خُذِ الكتاب بقوة " أو قال " يوسف أعرض عن هذا " فَلَأَنْ تَبْطُلَ صَلَاتُهُ بِالتَّسْبِيحِ إِذَا قَصَدَ بِهِ الإفهام، أو التبيه أَوْلَى، وَهَذَا خَطَأٌ

وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ " فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ مَا نَابَهُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ سَهْوِ إِمَامٍ أَوْ رَدِّ سَلَامٍ، أَوْ تَنْبِيهٍ، أَوْ إِفْهَامٍ

وَرَوَى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: " دَخَلَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

<<  <  ج: ص:  >  >>