تَعْجِيلِ الْعِتْقِ، وَوُقُوفِ الْبَاقِي، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمُكَاتَبِ حَاضِرٌ، وَالْوَرَثَةُ فِي بَاقِيهِ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: مِنْ عِتْقٍ بِأَدَاءٍ، أَوْ رِقٍّ بِعَجْزٍ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ الْوَصِيَّةِ بِحَاضِرٍ إِذَا كَانَ بَاقِي الْمَالِ غَائِبًا.
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، إِنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ أَنَّهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ قَدْ أَوْصَى بِهِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ بَرِئَ مِنْ ثُلُثِ الدَّيْنِ، وَكَانَ ثُلُثَاهُ بَاقِيًا لِلْوَرَثَةِ إِلَى أَجْلِهِ، وَهَكَذَا حُكْمُ الوصية بالدين.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ كَاتَبَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ وَقَفْتُ فَإِنْ أَفَادَ السَّيِّدُ مَالًا يُخْرِجُ بِهِ مِنَ الثُّلُثِ جَازَتِ الْكِتَابَةُ وَإِنْ لَمْ يُفْدِ جَازَتْ كِتَابَةُ ثُلُثِهِ إِذَا كَانَتْ كِتَابَةَ مثله ولم تجز في ثلثيه (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ لا تجوز كتابة بعض عبده) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، الْكِتَابَةُ فِي الْمَرَضِ المخوف إذا تعقبه الموت معتبر مِنَ الثُّلُثِ، لِأَنَّهَا كَالْعَطَايَا وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ، لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهَا قَدْ كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالْمِلْكِ فَخَالَفَ الْبَيْعِ الَّذِي لَا يُسْتَحَقُّ الثَّمَنُ فِيهِ إِلَّا بِالْعَقْدِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَهِيَ عَلَى الصِّحَّةِ فِي جَمِيعِهِ مَا لَمْ يَمُتِ السَّيِّدُ، فَإِنْ قَبَضَهَا مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ عَتَقَ بِهَا إِنْ كَانَ الْحَاصِلُ مِنَ الْكِتَابَةِ مِثْلَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ نَقَصَ فَبِقِسْطِهِ مِنْ ثُلُثِ تَرِكَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمُكَاتَبِ مِنْ أَنْ يُخْرِجَ قِيمَتَهُ مِنَ الثُّلُثِ أَوْ لَا يُخْرِجُ، فَإِنْ خَرَجَتْ قِيمَتُهُ مِنَ الثُّلُثِ كَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ يُؤَدِّيهَا إِلَى الْوَرَثَةِ لِيَعْتِقَ بِأَدَائِهَا أَوْ يُسْتَرَقَّ بِالْعَجْزِ عَنْهَا، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ قِيمَتَهُ مِنَ الثُّلُثِ، وَلَا كَانَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ لَزِمَتِ الْكِتَابَةُ فِي ثُلُثِهِ، وَكَانَ ثُلُثَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْوَارِثِ وَرَدِّهِ، فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَارِثُ لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ جَازَتْ، وَإِنْ رَدَّهَا بَطَلَتِ الْكِتَابَةُ فِي ثُلُثَيْهِ، وَلَزِمَتْ فِي ثُلُثِهِ، فَإِذَا أَدَّى ثُلُثَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَكَانَ ثُلُثَاهُ مَمْلُوكًا.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَصِحُّ الْكِتَابَةُ فِي ثُلُثِهِ، وَكِتَابَةُ بَعْضِ الْعَبْدِ لَا تَصِحْ، وَكَيْفَ يُعْتَقُ ثُلُثُهُ بِأَدَاءِ ثُلُثِ الْكِتَابَةِ وَصِفَةُ الْعِتْقِ مَشْرُوطَةٌ بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ؟
قِيلَ: لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ قَدْ كَانَ عَلَى جَمِيعِهِ، فَصَحَّتْ، وَإِنَّمَا بَطَلَ بَعْضُهَا فِي حَقِّ الْوَارِثِ، فَلَمْ يُوجِبْ بُطْلَانَ بَاقِيهَا فِي حَقِّ الْمَوْرُوثِ لِاخْتِصَاصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِحَقِّهِ.
وَإِذَا عَادَتِ الْكِتَابَةُ إِلَى ثُلُثِهِ عَادَ مَالُهَا إِلَى ثُلُثِهِ، فَصَارَ هُوَ الْمَشْرُوطَ فِي الْعِتْقِ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: (وَمَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ فِي مَرَضِهِ فَهُوَ كَالدَّيْنِ يُقِرُّ بِقَبْضِهِ فِي صِحَّتِهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute