وَالرِّجْلَيْنِ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْقِصَاصَ مِنْ إِحْدَاهُمَا يَتَعَدَّى إِلَى ذَهَابِ الْأُخْرَى فَلَا قِصَاصَ فِيهِمَا، لِأَنَّهُ يَصِيرُ قِصَاصًا مِنْ عُضْوَيْنِ بِعُضْوٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ دِيَتُهَا وَهِيَ نِصْفُ الدِّيَةِ، لِأَنَّ فِي الْأُنْثَيَيْنِ جَمِيعَ الدِّيَةِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ قَالَ الْجَانِي جَنَيْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَوْجُوءٌ وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَلْ صَحِيحٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ هَذَا يَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ وَلَا يَجُوزُ كَشْفُهُ لَهُمْ ".
قال الماوردي: إذا اختلف فِي سَلَامَةِ الْعُضْوِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَقَالَ الْجَانِي: هُوَ أَشَلٌّ وَهُوَ مَوْجُوءٌ قَدْ بَطَلَتْ مَنَافِعُهُ فَلَا قَوَدَ عَلَيَّ وَلَا دِيَةَ، وَعَلَيَّ حُكُومَةٌ.
وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ سَلِيمٌ اسْتَحِقَّ فِيهِ الْقَوَدَ أَوِ الدِّيَةَ عَامَّةً فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ كَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى سَلَامَتِهَا، وَلَهُ الْقَوَدُ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ الْجَانِي الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنَ الشَّلَلِ، وَنَصَّ فِي الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْعَيْنَيْنِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهَا غَيْرُ سَلِيمَةٍ، وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى سَلَامَتِهَا، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِلَافِ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ فِي الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ أَنَّهَا غَيْرُ سَلِيمَةٍ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ.
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ قَوَدٍ وَعَقْلٍ فَكَانَ الظَّاهِرُ صِدْقَهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ سَلَامَةُ الْخِلْقَةِ وَثُبُوتُ الصِّحَّةِ، وَهَكَذَا لَوْ قَطَعَ رَجُلًا مَلْفُوفًا فِي ثَوْبٍ فَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا وَادَّعَى وَلِيُّهُ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا فَهُوَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
[أَحَدُهُمَا: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْجَانِي.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَلِيِّ وَأَصْلُهُمَا اخْتِلَافُ قَوْلَيْهِ فِي أَيِّهِمَا هُوَ الْمُدَّعِي:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجَانِيَ هُوَ الْمُدَّعِي لِحُدُوثِ الْمَوْتِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْوَلِيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الْمُدَّعِي لِلْقَوَدِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي، فَهَذَا أَحَدُ وَجْهَيْ أَصْحَابِنَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، إنَّ اخْتِلَافَ النَّصَّيْنِ محمول على