وَالثَّانِي: لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا لَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ مُخْتَارًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بالصواب.
[فصل:]
وإذا فسح الزوج نكاح امرأته في مرضه بإحدى العيوب التي توجب فسخ نكاح لم ترثه بخلاف الطلاق، ولأن الْفَسْخَ بِالْعُيُوبِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْفَوْرِ، وَفِي تَأْخِيرِهِ إِسْقَاطُهُ فَلَمْ يُتَّهَمْ وَلَيْسَ كَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ لَا يُسْقِطُهُ، وَلَوْ أَرْضَعَتْ أُمُّ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ الصغيرة خمس رضعات في الحولين يفسخ نِكَاحُهَا وَلَمْ تَرِثْهُ سَوَاءٌ أَرْضَعَتْهَا بِأَمْرِهِ أَوْ غَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ تَبَعٌ لِتَحْرِيمِ الرضاع وَثُبُوتِ الْمَحْرَمِ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ وَطِئَ أُمَّ زَوْجَتِهِ بِشُبْهَةٍ وَهُوَ مَرِيضٌ بَطَلَ نكاحها ولم يرث.
فَصْلٌ:
وَإِذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ لَهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ ثُمَّ مات، فإن قيل: بمذهبه الْجَدِيدِ إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ فَالْمِيرَاثُ لِلْأَرْبَعِ اللَّاتِي تَزَوَّجَهُنَّ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمِيرَاثَ بَيْنَ الْأَرْبَعِ الْمُطَلَّقَاتِ وَالْأَرْبَعِ الْمَنْكُوحَاتِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ وَارِثٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمِيرَاثَ لِلْأَرْبَعِ الْمُطَلَّقَاتِ دُونَ الْمَنْكُوحَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِسْقَاطُ مِيرَاثِهِنَّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ إِدْخَالُ النَّقْصِ عَلَيْهِنَّ، وليس يمتنع بثبوت النِّكَاحِ مَعَ عَدَمِ الْإِرْثِ كَالْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَقَالَ فِي مَرَضِهِ إِحْدَاكُنَّ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَ خَامِسَةً وَمَاتَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ لِلْمَنْكُوحَةِ رُبُعَ الْمِيرَاثِ وَيُوقِفُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ بَيْنَ الْأَرْبَعِ حَتَّى يَصْطَلِحْنَ عَلَيْهِ وَهَذَا إِذَا قِيلَ إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُنَّ أَخْمَاسًا وَهَذَا إِذَا قِيلَ إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ مَعَ الْمَنْكُوحَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمِيرَاثَ لِلْأَرْبَعِ أَرْبَاعًا دُونَ الْمَنْكُوحَةِ الْخَامِسَةِ وَهَذَا إِذَا قِيلَ إِنَّ الْمُطَلَّقَاتِ يَدْفَعْنَ الْمَنْكُوحَاتِ عَنِ الْمِيرَاثِ.
وَإِذَا وَرِثَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ اعْتَدَّتْ بِالْأَقْرَاءِ عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أبو حنيفة تعتد بأكثر الأجلين من عدة الطلاق أو الأقراء أَوْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُغَيِّرُ مِنْ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ شَيْئًا إِلَّا الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُتَّهَمٌ وَمَا سِوَاهُ فَهُوَ عَلَى حُكْمِهِ فِي الصِّحَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute