للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ رُجُوعًا لِاحْتِمَالِهِ، وَلَكِنْ يُسْأَلُ عَنْ هَرَبِهِ بَعْدَ الْإِمْسَاكِ عَنْهُ لِاحْتِمَالِهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " غرم قَاتِلَ مَاعِزٍ بَعْدَ هَرَبِهِ دِيَتَهُ) وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكُلُّ مَا جَعَلْنَاهُ رُجُوعًا صَرِيحًا بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَوْجَبْنَا بِهِ ضَمَانَ النَّفْسِ إِنْ قُتِلَ بَعْدَهُ، وَكُلُّ مَا لَمْ نَجْعَلْهُ رُجُوعًا صَرِيحًا لم نوجب له به الضمان.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَلَا يُقَامُ حَدُّ الْجَلْدِ عَلَى حُبْلَى وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ الْمُدْنَفِ وَلَا فِي يَوْمٍ حَرُّهُ أَوْ بَرْدُهُ مُفْرِطٌ وَلَا فِي أَسْبَابِ التَّلَفِ) .

قال الماوردي: إِذَا كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا أُخِّرَ مَعَ وُجُودِ الأسباب القاتلة وهي ضربان:

أحدهما: حَبَلٌ يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ، وَمَرَضٌ يَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ.

فَأَمَّا الْحَبَلُ فَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمَحْدُودَةُ حُبْلَى حَامِلًا بِوَلَدٍ فَهُوَ مَانِعٌ مِنْ جَلْدِهَا كَمَا هُوَ مَانِعٌ مِنْ رَجْمِهَا، سَوَاءٌ كَانَ حَمْلُهَا من زنا أو حَلَالٍ؛ لِأَنَّ جَلْدَ الْحَامِلِ مُفْضٍ إِلَى تَلَفِهَا وتلف حَمْلِهَا، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مَحْظُورٌ.

وَلِأَنَّ عَلِيًّا قَالَ لِعُمَرَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَقَدْ أَمَرَ بِحَدِّ زَانِيَةٍ حَامِلٍ إِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا، فَرَدَّهَا وَقَالَ: " لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ) فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا وَهِيَ فِي نِفَاسِهَا فَإِنْ أَمِنَ مِنْ تَلَفِهَا فِيهِ جُلِدَتْ، وإن خيف من تلفها فيه أمهلت.

وروى أَبُو جَمِيلَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: فَجَرَتْ جَارِيَةٌ لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَقَالَ لِي: " يَا عَلِيُّ انْطَلِقْ فَأَقِمِ الْحَدَّ عَلَيْهَا، فَأَتَيْتُهَا فَوَجَدْتُهَا يَسِيلُ دَمُهَا لَا يَنْقَطِعُ، فَعُدْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فأخبرته أني وجدت دمها يسيل لا يَنْقَطِعُ فَقَالَ: دَعْهَا حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهَا، ثُمَّ اجْلِدْهَا، وَأَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) .

وَأَمَّا الْمَرَضُ فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا لَا يُرْجَى زواله كالسل، والفالج فيكون في النضو عَلَى مَا سَيَأْتِي.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَرْجُوَّ الزَّوَالِ كَالْحُمَّى وَالصُّدَاعِ فَيُؤَخَّرَ الْمَحْدُودُ فِيهِ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ مَرَضِهِ؛ لِأَنَّ جَلْدَهُ فِي الْمَرَضِ مُفْضٍ إِلَى تَلَفِهِ، وَلَيْسَ يَخْلُو حَدُّهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ.

إِمَّا أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ حَدُّ الْأَصِحَّاءِ أَوْ حَدُّ الْمَرْضَى، أَوْ يُؤَخَّرُ حَتَّى يَبْرَأَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ حَدُّ الْأَصِحَّاءِ لِإِفْضَائِهِ إِلَى تَلَفِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>