فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْحَمْلَ تَبَعٌ جَازَ بَيْعُ الدَّجَاجَةِ الَّتِي فِيهَا بَيْضٌ بِالْبَيْضِ، لِأَنَّ مَا مَعَ الدَّجَاجَةِ مِنَ الْبَيْضِ تَبَعٌ.
وَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْحَمْلَ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ بَيْعَ الْبَيْضِ بِالْبَيْضِ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ.
فَصْلٌ:
إِذَا بَاعَهُ دَارًا فِيهَا مَاءٌ بِدَارٍ فِيهَا مَاءٌ. فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْمَاءَ لَا رِبَا فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ جَازَ هَذَا بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنْ قِيلَ فِي الْمَاءِ الرِّبَا لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمَاءِ الَّذِي فِي الدَّارِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْرَزًا فِي الْأَجْبَابِ أَوْ حَاصِلًا فِي الْآبَارِ.
فَإِنْ كَانَ فِي الْأَجْبَابِ فَهُوَ مَمْلُوكٌ لَا يَخْتَلِفُ، وَهَذَا بَيْعٌ غَيْرُ جَائِزٍ خَوْفَ التَّفَاضُلِ فِي الْمَاءِ، كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ مَعَهَا لَبَنٌ بِشَاةٍ مَعَهَا لَبَنٌ.
وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي الْآبَارِ فَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَزْعُمُ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ يَكُونُ مِلْكًا لِمَالِكِ الْبِئْرِ كَمَا يُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ فِي الْأَجْبَابِ.
فَعَلَى هَذَا يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِ دَارٍ ذَاتِ بِئْرٍ فِيهَا مَاءٌ بِدَارٍ ذَاتِ بِئْرٍ فِيهَا مَاءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مِلْحًا فَيَجُوزُ، لِأَنَّ الْمَاءَ الْمِلْحَ غَيْرُ مَشْرُوبٍ وَلَا رِبَا فِيهِ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ لَا يُمْلَكُ إِلَّا بِالْأَخْذِ وَالْإِجَارَةِ، وَكَذَلِكَ مَاءُ الْعَيْنِ وَالنَّهْرِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِمَالِكِ الْبِئْرِ مَنْعُ غَيْرِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي بِئْرِهِ أَوْ نَهْرِهِ. فَإِنْ تَصَرَّفَ غَيْرُهُ وَأَجَازَ الْمَالِكُ كَانَ مَا أَجَازَهُ أَمْلَكَ بِهِ مِنْ صَاحِبِ الْبِئْرِ.
وَإِنَّمَا لَمْ يُمْلَكْ مَاءُ الْبِئْرِ إِلَّا بِالْإِجَارَةِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنِ اشْتَرَى دَارًا ذَاتَ بِئْرٍ فَاسْتَعْمَلَ مَاءَهَا ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ لَمْ يَلْزَمْهُ لِلْمَاءِ غُرْمٌ، وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَزِمَهُ غُرْمُهُ كَمَا يُغْرَمُ لَبَنُ الضَّرْعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مُسْتَأْجِرَ الدَّارِ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَاءَ الْبِئْرِ وَلَوْ كَانَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الدَّارِ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ. فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ أَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ إِلَّا بِالْإِجَارَةِ.
فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ دَارٍ ذَاتِ بِئْرٍ فِيهَا مَاءٌ بِدَارٍ ذَاتِ بِئْرٍ فيها ماء.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَكُلُّ مَا لَمْ يَجُزِ التَّفَاضُلُ فِيهِ فَالْقَسْمُ فِيهِ كَالْبَيْعِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا بَيْعٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا إِفْرَازُ حَقٍّ وَتَمْيِيزُ نَصِيبٍ.